بقلم – إبراهيم فايد
على غِرار ما تغنَّى به العندليب الأسمر “عبدالحليم حافظ” في أغنيته (( الحُلوة )) من كلمات الشاعر المبدع “مرسي جميل عزيز” وألحان “كمال الطويل” حينما قال:
“باليوم والساعة والثانية أنا فاكر.. فاكر ياحبيبي
أول مرة قابلتك فيها.. أول كلمة ناديت لك بيها.. أول مرة أقول ياحبيبي.. ياحبيبي وحاسس معانيها “
فإنني الآخر أذْكُرُ ذاك الرباط الأول الذي جمع بين قلبَينا، في مثل هذا اليوم -منتصف الشهر الـ (٧) وتحديدًا ضِعفه (١٤) من العام (٢٠١٢)؛ أي مُذْ خمسة أعوامٍ بتمامها وكمالها..
حيث ساقني شوقي لِأن بذرت بذرة عشقٍ.. غرستها، سَوَّيتها، سمدتها، أعددت لها صوبةً من أضلُعي، شققت لها جدولًا بأنامل أصبعي، وملأته بالسيل يجري من ذَريف أدمُعي، أمددتها بحنان قلبي واحتواء أذرُعي، راقبتها بنور بصري ولهيب أسمُعي..
وإذ بأيامي تَمُرُّ وأسابيعي وشهوري، بل خمسة أعوامٍ طوالٍ طوالٍ طوال، اشتاق فيها القلب طرحَها، وهام عقلي جنيَها، والنفس تاقت حصادها، وروحي حنَّت لُقِيَّها، حتى إذا ما بَدا طلعُها، ونَبِتَ فَسْلُها، وأزهر ثمرها، وجذعها نما، وساقها طالت، وتفلطحت أوراقها وأينعت، وكذا أغصانها امتدت في الأفق القريب -تتمايل طربًا في النسيم العليل كرقيقِ رقراقِ ندىً سالَ متبخترَا فوق كريستالات إبريقٍ دُرِّي عتيقٍ- وبَدَتْ للناظرين شُجَيْرَةً خضراء مُورقةً مُثمِرةً عطرةً مُظلِلة؛ تَأَذَّن القَدَرُ لأذيال الفراق أن امتدي، واستشري، واستجمعي كل قواكِ، ووسوس الشيطان لعوازل الهوى أن تَهَيَّؤوا، وتزيَّنوا، واستبيحوا كل حُرُمات الهيام؛ فانطلقت تَسُوم أوصال القلوب بكل بأسٍ لا يشفع عندها أنينُ قلبٍ ولا مِرار فراق، حتى بِتُّ ليلتي حزينًا كَمِدًا لا أدري يُمناي من يسراها، ولا يُسري من عُسراي، فما لبثتُ إلا أن أغشت عليَّ همومي، واستبقني وَعْيي إلى حيث لا أدري من لا وِعْيي، وما أن أدركنيَ رُشدي حتى أيقنتُ بأنَّ شُجَيْرَتي صغيرتي قد هَلَكَتْ، قد ماتت.. لا لا لا لم تَمُتْ، بل اخْتُطِفَتْ، سُرِقَتْ شُجَيْرَتي بكل غدرٍ حَدَّ اجْتِثاثِ سَحيقِ جذورها من تُربة الأشواقِ !!
لكن اللص اللعين غفل كَوْنَ جذورها انعقدت بأصابع يدِي وحدي، وارتوت بزَخَّات دماء فؤادي، واستوثقت أحشاءنا موثقها بعهد الباري، حتى لن يجد لصُّها منها مجالًا ولا يَرِدُ إليها موردًا ينعم منه برحيق زهرها، أو يتلذَّذ بِطِيبِ ثمرها ما دامت العهود قائمةً بين نسيج فلذاتي وألياف لُحاءها.
حبيبتي.. لَبَّيكِ، حنانَيكِ، وسعدَيكِ يا مَن ملكْتِ براحتَيكِ ناصية فؤادي، يا مَن رَوَيْتِ ظمأَ حنيني بِجَميل سُقياكِ، يا مَن أُرْغِمْتُ لِحُبِّكِ وجئتُ طائعًا بين يَدَي مَحياكِ، أشعَثًا، أغبَرًا، شارِدًا، تائهًا أنا بِغُيوم هَواكِ، مُتَخَبِّطًا بأطياف دُجاكِ، هائمًا بدنيا هيامِكِ، لا أبغي بِقُرْبُكِ عَداكِ، ولا أرجو منكِ إلاكِ، ولا أريد مَثْوىً سِواكِ.
مُنايَ أنتِ، مُبتغايَ، رَجايَ، هَوايَ، وتُقايَ.. وُدِّي أنتِ، عشقي، وِئامي، هَيَامي، حنيني، ونعيمي.. دُمْتُ لكِ ودُمْتِ لي وحدي لا شريك لي فيكِ سواه رَبُّكِ مُقَلِّبُ القلوب وسائقها وهاديها وواهبها وعاطيها، دُمْتُ لكِ ودُمْتِ لي وحدي لا شريك لي فيكِ إلاه رَبُّكِ فالِقُ الحَب والنَّوىٰ، يا بِذْرَ حُبِّي وقلبي ونواه ولُبَّهُ وربُّه وحدكِ لا شريك لكِ فيَّ إلا ربيَ الله لا إله إلَّاه.
انتهت بحمد الله
انتهت قصتي.. وواقعها!
وكما ابتدأت طرحي بمقتبسٍ عندليبي، فسأنهيها بمقتطفٍ من الأغنية ذاتها، بِرِقَّتِها ورُقِيِّها لتكون خير ختامِ يعبر عمَّا يجول بخاطري:
“في عنيك حسيت بالحب وعرفت بييجي منين.. وازاي بيدَفِّي القلب.. وازاي بيصَحِّي العين
وشبابي لقيته في شبابك ولقيت روحي.. سهرانة بترقص على بابك ياحياة روحي
والشوووووق.. الشوق غلبني
الشووووووق.. كان حيدوبني”
وعجبي عليك يا زمن
#إبراهيم_فايد