السعادة، وما أدراكم ما هي.. إنها ذاك الطَيْفُ الخَفِيُّ الذي ما إن أَطَلَّ ببريق جبينه، وبرقيق وَجَناته على كُرَبِ حيواتنا لَزَانها بالبهجة وزادها بالحُبور.. ذاك الطَّيْف الذي إن أصابك أحياك، وإن لم يُصِبْك أشقاك وتَعِسْتَ وتَعِسَ ممشاك.
جلست صباحًا في شُرْفَةِ غرفتي وحيدًا شاردًا تائهًا كعادتي أتأمل خَلْقَ الله وأرزاقه ونفحاته ومِنَحِهِ وعطاياه، وأناجيه:
ربي.. لِمَا لم أَنَلْ من نصيب نفحاتك سعدًا وفَرْحًا وبُشْرَى تُبْهِجُ قلبي وتغنيه وترويه وتشفيه؟!
ربي.. لقد كَثُرَ همي، وزاد حِمْلي وعَلَلِي، واحتلت الهموم قلبي تُبليه وتُشقيه.
ربي.. مَن لي سواك وأنت الحليم الكريم العظيم الغني ذو المِنَّةِ مالِك المُلْكِ والملكوت.
ياربي.. إنما سعادتي في تلكم الحياة غَيْضٌ من فَيْضٍ، وفَيْضُها أوجاعٌ متاعبٌ همومٌ غمومٌ أحزانٌ ضغوطٌ سوادٌ ووحدةٌ، إنما فَيْضُ حياتي كَذِبٌ غِشٌّ غموضٌ قلقٌ تشاؤمٌ ندمٌ حزنٌ وترقبٌ و….
يا إلهي تَعْلَمُنِي.. لست أنا ذاك السوداوي المتحجر، بل هي الدنيا مَن أدلت بِدِلاء سوءاتها في غيابات جُبِّ كياني؛ لِأُضطَرَّ في مخمضةٍ مُدَّ الأُفُقِ ومِداده.. أكاد أرى الموت غرقًا تحت شلالات بأسها.
ياربي.. ألا ليت طَيْفَ السعادة يصيبني.. فعافني واعف عني وارزقني السعادة والهناء ومن كل خَيْرٍ مفاتِحَهُ بِيَدِكَ ما دُمْتُ حيًا.