أطلقت عليه “جولدا مائير “الجنرال النحيف المخيف”، انهي كل جلسات التفاوض مع العدو دون أن يصافح احد منهم، وقال له “عيزرا ويزمان” رئيس الوفد الإسرائيلي “سيدي الجنرال بحثنا عن صورة لك وانت تبتسم فلم نجد”، وقال له “السادات” انت تصلح لقيادة الجيش لمائة عام، انه رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة في بداية حرب أكتوبر ثم رئيس الأركان بعد شهرين من قيام الحرب ثم آخر وزير حربية لمصر، انه المشير محمد عبد الغنى الجمسي.
ميلاده ونشأته
ولد عبد الغني الجمسي عام 1921 بقرية البتانون بمحافظة المنوفية، والتحق بالكلية الحربية وعمره 17 عام، وبعد تخرجه مباشرا عين بالصحراء الغربية ليشاهد اشهر معارك الحرب العالمية الثانية “بالعالمين” بين الجيش الانجليزي بقيادة “موتنجمري” والجيش الألماني بقيادة “روميل”، لينتقل بعدها للعمل كضابط بالمخابرات الحربية والاستطلاع ثم معلما بمدرسة المخابرات، تخصص في تدريس التاريخ العسكري لإسرائيل، مثله مثل كل قادة القوات المسلحة العظام لم يقبل بهزيمة يونيو1967، فقدم استقالته، إلا أن الرئيس الراحل “جمال عبد الناصر” لم يقبل استقالته وكلفه بمهمة تدريب الجيش ليتولى بعدها رئاسة هيئة تدريب القوات المسلحة في فترة شديدة الحساسية منذ 1971 حتى 1972.
دوره في حرب أكتوبر
بعد ما اظهره من تفوق واضح أثناء توليه مهمة تدريب الجيش المصري، كلفه الرئيس الراحل “محمد أنور السادات” برئاسة هيئة عمليات القوات المسلحة والأعداد للحرب، فقام “الجمسي” بعمل دراسة كاملة لتحديد ساعة الصفر واختيار انسب الأوقات للهجوم، اعتمد خلالها على دراسة أفضل شهور السنة للهجوم، وأفضل توقيت للعبور، وشملت دراسته أيضاً الجانب الإسرائيلي وتوقيت الأجازات عندهم، كما شارك في إعداد خطة الخداع الاستراتيجي التي سبقت العبور بأيام، كانت كل هذه الدراسات والتي اطلق عليها السادات “كشكول الجمسي” من اهم أسباب النصر في حرب أكتوبر.
دوره في التفاوض أثناء الحرب
بعد حدوث الثغرة واحتدام الخلاف بين الرئيس الراحل “أنور السادات” والفريق “سعد الدين الشاذلي” رئيس الأركان بسبب اختلاف رؤية كل منهما في طريقة مواجهة الثغرة، قرر “السادات” عزل الفريق “الشاذلي” من منصبة وتكليف المشير “الجمسي” برئاسة أركان حرب القوات المسلحة بعد شهريين فقط من بداية الحرب، ليقوم المشير بمهام جديدة كان أبرزها التفاوض مع العدو الإسرائيلي.
كانت بداية التفاوض بعد صدور قرار مجلس الأمن بوقف إطلاق النيران وموافقة الجانبين المصري والإسرائيلي على بداية الجلوس معا على مائدة المفاوضات فيما سمي بمفاوضات الكيلو 101، والتي استمرت لسبع جلسات دون أن تحقق أي شئ.
دموع الجنرال
مع وصول “كيسنجر” الرئيس السابق للولايات المتحدة وحضوره مفاوضات فض الاشتباك في يناير 1974، فوجئ الجمسي بإعلان الرئيس الأمريكي تخفيض القوات المصرية شرق القناة إلى 7000 جندي و30 دبابة وعدد محدود من قطع المدفعية، الأمر الذي اغضب “الجمسي” غضبا شديدا وقال للرئيس “كيسنجر” بحدة انت تعطى إسرائيل كل ما يضمن تامين قواتها، ليفاجئه “كيسنجر” بموافقة “السادات” على تخفيض القوات للأعداد سالفة الذكر، ليخرج بعدها “الجمسي” من غرف الاجتماعات بعد أن اغرورقت عيناه بالدموع، بعد أن احس بضياع ما حققه الجيش من انتصار، ليعود بعدها ليكمل الاجتماع صامتا وهو يشعر بخيبة أمل لعدم رجوع “السادات” إليه عند اتخاذ إجراء مثل هذا.
الجمسي ومفاوضات السلام
بعد أن توفي المشير “أحمد إسماعيل” في ديسمبر 1974، عين الرئيس “السادات” المشير “الجمسي” وزيرا للحربية ليكمل ما بدأه من تفاوض مع الجانب الإسرائيلي، ولكن التفاوض هذه المرة كان مختلفا، فهو تفاوض من اجل السلام، شهد خلاله “الجمسي” تنازلات مصرية كثيرة من اجل الوصول للسلام واستعادة الأرض، اعترض عليها كثيرا ولكن دون جدوى، حتى وصلت المباحثات إلى اجتماعات كامب ديفيد التي لم يشترك بها “الجمسي”، وانتهت بتوقيع اتفاقية السلام، وإقالة “الجمسي” بعد توقيع الاتفاقية بأسبوعين فقط.