هيرودوت وأفلاطون
تشير المصادر التاريخية إلى أن المؤرخ اليوناني هيرودوت، حين جاء سائحاً إلى مصر في عام 450 ق.م، ذهل عندما رأى النيل والأهرامات وتماثيل الآلهة المصرية، وفي هذا الإطار يقول عالم المصريات بوب برير: أن هيرودوت يرى أن معظم جوانب الحضارة اليونانية تعود إلى المصريين، منها البناء بالحجر، والآلهة اليونانية القديمة، وبعض أصول النظام التشريعي اليوناني، كما يضيف برير أنّ أفلاطون الذي جاء بعد هيرودوت بمئة سنة، فقد نسب اختراع الكتابة إلى مصر.
الإسكندر المقدوني والبطالمة
كان الإسكندر المقدوني مولعاً بالحضارة المصرية، لاسيما بعد السيطرة على مصر منذ عام 330 ق.م، حيث اعتبر نفسه كأحد الفراعنة، وبنى المعابد للآلهة المصرية، وحين خلفه البطالمة، صوروا أنفسهم دائماً في صور الفراعنة القدامى على جدران المعابد، وصولاً إلى آخر ملكة وهي كليوبترا.
الرومان
يقول برير أن النساء الرومانيات كانت تزين بيوتهن بتمثال الآلهة المصرية القديمة ويعلقن قوارير صغيرة حول رقابهن بداخلها مياه النيل، كما أنّ الهالة التي وضعها الرومان على رأس العذراء مريم أم المسيح عيسى بعد تحولهم للمسيحية، تشبه قرص الشمس فوق رأس إيزيس أحد الآلهة المصرية.
وكان الإمبراطور هادريان من أكثر الأباطرة الرومان تعلقاً بمصر، حيث قام برحلة طويلة إلى مصر استغرقت أكثر من 8 شهور في عام 130م، زار خلالها هرم سقارة ومدينة ممفيس وبنى معبداً لعبادة آبيس المصري.
ياقوت الحموي
دهش الرحالة العربي ياقوت الحموي حينما رأى الهرمين الأكبر والأوسط: فقال وقد رأيت الهرمين وقلت لمن كان في صحبتي غير مرة إن الذي يتصور في ذهني أنه لو اجتمع كل من بأرض مصر من أولها إلى آخرها على سعتها وكثرة أهلها وصمدوا بأنفسهم عشر سنين مجتهدين لما أمكنهم أن يعملوا مثل الهرمين وما سمعت بشيء تعظم عمارته فجئته إلا ورأيته دون صفته إلا الهرمين فإن رؤيتهما أعظم من صفتهما!
نابليون
خلب نابليون بمصر وكان ذلك أحد أسباب الحملة الفرنسية وقد جلب معه فريق من العلماء لدراسة مصر القديمة صدر عنهم كتابين اعتبرا من أهم المراجع فيما يخص حضارة مصر القديمة في ذلك العصر، هما كتاب “وصف مصر”، وكتاب آخر للعالم فيفان دينون اسمه “رحلة في مصر العليا والسفلى”، ومن خلالهما تعرفت أوروبا على هذه الحضارة، وقد فتح هذين الكتابين الباب لموجة جديدة من الـEgyptomania. لازالت مستمرة حتى الوقت الحاضر.
شامبليون
أتى شامبليون في رحلته إلى مصر عام 1828، واستطاع فك رموز حجر رشيد الذي يحتوي على نقوش تعود للغة المصرية القديمة، الأمر الذي فتح الباب واسعاً للباحثين والآثريين والمنقبين عن الذهب واللقى الأثرية والزوار وغيرهم لإبداء المزيد من الاهتمام بالحضارة المصرية القديمة وحكيت قصص غريبة تعد استمرار لتراث الفراعنة مثل لعنة الفراعنة وغيرها من القصص التي زادت غموض هذه الحضارة وفتحت مزيد من الأعين عليها.
الولع بالبناء المصري
غدت موضة البناء المصري لا سيما الشكل الهرمي من أكثر الموضات انتشاراً في البناء العالمي الحديث، لاسيما للمراكز المهمة، وكان أول بناء بني على الطراز المصري أعقاب الحملة الفرنسية على مصر، هو مبنى Karlsruhe Synagogue في ألمانيا عام 1798، ويعد أول بناء على الطراز المصري منذ انتهاء عصر الفراعنة.
وفي فرنسا تم بناء أول مبنى مزين بالزخارف المصرية القديمة عام 1828 في شارع Place du Caire بباريس. وكان المبنى يتضمن رؤوس للإلهة حتحور، بالإضافة إلى بناء نافورة “Fountaine du Fellah” في باريس أيضاً في تلك الفترة، وضع فيها تمثال شخص يرتدي الزي الفرعوني، وكان مستوحى في الأصل من تمثال “أنطونيوس”.
كما أن شامبيليون طلب من محمد على مسلة كانت أمام معبد الأقصر، وتم نقل المسلة إلى فرنسا، ونصبها في ميدان الكونكورد بباريس عام 1833 أمام الآلاف من المتفرجين، لم تكن هذه هي المسلة الوحيدة التي تم نقلها أوروبا، فقد تم إهداء مسلات من جانب مصر إلى أمريكا وأوروبا، كمسلة كليوباترا في لندن ونيويورك.
وفي عام 1821 جاء سباستيان سولنيه إلى مصر وطلب من محمد على خلع دائرة الأبراج المتواجدة في معبد الدندرة وبالفعل تم خلعها ونقلها إلى فرنسا، حيث اشتراها لويس الثامن عشر بمبلغ 150 ألف فرانكي، لتوضع بعدها في المكتبة الوطنية بباريس قبل أن يتمّ نقلها إلى متحف اللوفر، كما تم لاحقاً بناء هرم زجاجي في ساحة متحف اللوفر في باريس عام 1989.
وفي روسيا تم بناء بوابة Tsarskoe Selo على الطراز المصري القديم عام 1829، وفي بريطانيا، بنيت القاعة المصرية عام 1812 على الطراز المصري، وكان الهدف منها حفظ وعرض الآثار، كما تم تصميم العديد من المباني داخلياً على الطراز المصري القديم.
وفي الولايات المتحدة، يلاحظ العديد من الإنشاءات أواسط القرن الـ19، أهمها نصب واشنطن الذي اكتمل بنائه في عام 1884، حيث اتخذ شكل مسلة مصرية قديمة، كما طرح بناء نصب آخر للرئيس إبراهام لينكولن على شكل هرم لاحقاً، لكن تم استبداله بتصميم مختلف.
وتنتشر في الولايات المتحدة مبانٍ على الطراز المصري القديم، من أشهرهم مبنى كلية الطب في جامعة فرجينيا، والذي تم بنائه عام 1845، كما تم بناء محطات شرطة وبوابات طرق ومقابر على الطراز الفرعوني، وفي لاس فيغاس في الولايات المتحدة، تم تصميم فندق Luxorعلى شكل هرم ويقف أمامه تمثال كبير لأبي الهول، وقد تم الانتهاء من بنائهما في1993 وبالمحصلة فقد انتشرت المبان الهرمية في العالم كله من الشرق إلى الغرب؟
الولع بغموض الأهرام
تعد الأهرامات أحد الكنوز الغامضة التي جلبت الاهتمام القاصي والداني ليدلي بدلوه في هذا الموضوع المفتوح على البحث والتنقيب والتحليل ونسج القصص والافتراضات منذ قرون عديدة حيث يسجل التاريخ محاولة للمأمون للدخول إليه، إلا أن أسئلة كثيرة لا زالت تطرحها وتزيد من المولعين بها العلماء قبل الناس العاديين.
فرضيات مذهبلة
خلال زيارة العالم الفيزيائي لويس فالتر ألفاريز الحائز على جائزة نوبل لزيارة اهرامات المكسيك، قال: هذه الاهرامات لا تهزنى كثيرًا، ولكن تلك التي تقع على حدود الصحراء عند الجيزة. هذه هى المعضلة، ويتابع: انتشار الأهرامات في العالم الصين والمكسيك وبنفس النسق (الذي يتبع حزام أوريون النجمي) هذا يدفعنا إلى التفكير بأن النموذج الهرمي انتقل بطريقة ما من مصر إلى حضارات آخري، تماما مثلما يحدث في أيامنا هذه حينما تبتكر دولة ما ابتكاراً جديداً فينتشر في العالم كله في غضون أسابيع أو شهور.
أصدر “بيتر تومكنز” كتاب بعنوان (أسرار الهرم الأكبر). حيث كان الكتاب يصف الإعجاز الهندسي في بناء الهرم الأكبر من إتباعه للجهات الأصلية الأربعة في دقة مذهلة، ومن السقف المتدرج في البهو الكبير واستقامة الكوى النجمية الأربعة التي كانت تشير إلى نجوم السماء بنسبة إنحراف أقل 0.02 في المائة ! وهي في العرف الصناعي، نسبة عالية الدقة يعصب الوصول إليها اليوم إلا بواسطة أدوات قياس مكلفة.
في عام 1997 نشر كريستوفر دان نظرية غريبة عن الأهرامات باعتبارها ناجمة عن حضارة متقدمة تكنولوجياً في كتاب Giza PowerPlant بعد ما يقرب من 20 عاما من التفكير والتحليل والزيارات للأهرامات المصرية..لقد تبني المئات من البشر نظريته وتم الإشارة لها في عشرات الكتب التي صدرت لاحقاً واعتبروا أنها موافقة للعقل حيث أنها قدمت بديلاً مُقنعاً عن فكرة المقابر.
ويذكر أن حول العالم ما يفوق الـ 3000 هرماً من الغرب إلى الشرق في الصين والمكسيك، وبيرو.. لكن الأهرامات الموجودة في الجيزة هي الأكثر جذباً لاهتمام محبي الأهرام؟!
موجات الولع بمصر أو الـ Egyptomania امتدت إلى الفن والسينما وماركات الألبسة ووكل مناحي الحياة وهي تتجدد بين الفينة والأخرى لتدل على عمق الأثر المصري القديم في الحضارة الإنسانية.