لا يمكن أن نطلق على وفاة الشابين سامح سيد ومحمد جمال في المحيط الهندي بعد غرق سفينتهم، أنه حادث أودى بحياتهم غرقا، لأن ما حدث هي جريمة قتل مع سبق الإصرار والترصد من قبل مالك السفينة المشؤومة التي تسببت في وفاتهم غرقا، رغم وجود عيوب كارثية فيها بناء على رسائل الفقيد طوال الرحلة المشؤومة مع زملائه وذويه، يصرخ فيها من واقع كارثي يعيشون فيه يمضي بهم إلى الموت.
سامح سيد شاب مصري التحق الأكاديمية البحرية الأردنية وتخرج العام الماضي 2021، ولسوء حظه التحق للعمل على هذه السفينة، ويقال أنه دفع مبلغا كبيرا للالتحاق بها، المهم أن السفينة قامت برحلة طويلة من اليابان إلى الصين إلى كوريا إلى جزر المالديف، وطوال الرحلة كان سامح يراسل أهله، ويشكو لهم حالة السفينة المتردية جدا، وان بها ثقوب كثيرة، ومشاكل متعددة، وأصحابها لا يهتمون، وكلما ظهر ثقب بها يقومون بإصلاحه ويواصلون السير.
لكن الحالة العامة المتردية للسفينة لا تساعد على استمرار الإصلاح كثيرا، وسرعان ما تظهر ثقوبا جديدة بها، بل إن الأعمدة الرئيسية التي تمسك بحمولة السفينة بدأت تنكسر وتتحرك من مكانها، حسب ما جاء في رسالة سامح سيد، الذي أكد على أن حالة السفينة سيئة للغاية، وقد حاولوا إثارة الأمر وطلب الرجوع إلى مصر دون جدوى، وقد قام سامح بتصوير كل ما حكى عنه بالفيديو وأرسله لشقيقته في مصر.
بعد خروج السفينة من جزر المالديف، وساءت الأمور أكثر وأكثر، بالفعل غرقت السفينة، وعلى متنها طاقم مكون من 12 فردا منهم سامح سيد ومحمد جمال، حيث استطاعوا جميعا ركون زورق صغير، لكن بعد قليل وقع منه سامح السيد في المياه، وحاول محمد جمال مساعدته، إلا أن المياه أخذت الإثنين بعيدا عن الزورق، في الوقت الذي كانت أول مركب إنقاذ قريبه منهم بينها وبينهم 12 ساعة، بناء على نداء الاستغاثة الذي أطلقوه.
وعندما وصلت سفينة الإنقاذ مكان الحادث، انتشلت عشرة أشخاص من المياه، ولم تجد سامح سيد ومحمد جمال، لكن ظل الأمر يراود أهاليهم على اعتبار أن كل منهم كان يرتدي سترة النجاة، وربما قاوموا الظروف الصعبة في مياه المحيط الهندي، وما زالوا على قيد الحياة، حاول أهله وأصدقاؤه إرسال استغاثات لمختلف الجهات التي يمكن أن يكون لها صلة بالحادث.
راسلوا الأكاديمية البحرية الأردنية، التي أصدرت بيانا يتعاطف مع الحالة لكنه لا يملك أن يقدم شيئا، أو يفيد في البحث عن المفقودين أو ينقذ حالتهم، وكذلك اهتمت وزيرة الهجرة، واستلمت ملف الحادث بالتفصيل، في محاولة منها للاتصال بالسفارة المصرية بالأردن للوقوف على التفاصيل وماذا يمكن أن تقدم من مساعدة، لكن كل هذه التحركات، جاءت متأخرة جدا، وبعد الحادث بأيام.
وبالطبع لا ألوم هذه الجهات، لأن الحادث في مكان بعيد جداً عن الأردن ومصر، وفي المحيط الهندي، ونحن جميعا نعرف حجمه وضخامته، وماذا يعني القيام بعملية بحث عن شابين في المحيط الهندي لا أحد يعرف مكانهما تحديدا، ومن أين تأتي الآليات المتخصصة في مثل هذه العمليات الصعبة جدا، والاهم أن خبر الحادث لم يصل إلى أهل سامح إلا بعد عدة أيام، وهو ما يعني أن الأمل في الوصول إليهم أحياء صعب للغاية.
ظهر تسجيل صوتي لقبطان السفينة الغارقة يحكي فيه ما حدث، حيث أكد في بداية كلامه أن ما يتم تداوله على السوشيال ميديا في مصر، غير صحيح عن حالة السفينة، وأنه خرج بها من المالديف سليمة بعد إصلاحها هناك، وبعد ثمان ساعات في المحيط بدأت المشاكل تظهر، وبدأ يعترف بكل ما قيل في مصر عن سوء حالة السفينة، عندما قال أن الأعمدة الرئيسية انكسرت، كما سبق وقال سامح سيد ذلك في رسائله.
هذه الأعمدة حسب قوله تزن أطنان من الحديد، وأصبحت خارج السيطرة وتضرب في جدران السفينة يمينا ويسارا، وتحدث بها ثقوب ومشاكل، وبدأت المياه تغمر السفينة وحاول إفراغ المياه بالمواتير إلا أن المياه الداخلة كانت أكثر من المياه الخارجة بكثير، فأخذ قرار إخلاء السفينة قبل غرقها بساعتين، ثم أكمل الحكاية كما رواها أهالي سامح السيد، والواضح أنه متأكد من وفاة سامح ومحمد لأنه وصفهم بالشهداء.
مثل هذه الحوادث، لا يمكن أن تكون مثل أي حادث آخر، سامح سيد كان وحيد أمه المكلومة، وحتى لو كان أخ لمائة أخ، كان شابا في مقتبل عمره، وأمامه المستقبل الطول، ومع ذلك كان ينتظر الموت كل ساعة وكل دقيقة منذ وضع قدمه على هذه السفينة المشؤومة، والتي شكى من حالها في رسائلها منذ البداية، وكانت النهاية التي توقعها، عندما قال في إحدى رسائله”لو حصل لي حاجه هاتوا حقي”.
اختفاء سامح سيد قبطان مصري بالمحيط الهندي وصديقه ينشر فيديو كارثي للمركب
إلى متى يدفن المصريين في مقابر البحار، وتأكلهم الأسماك؟ من هو مالك السفينة الذي تركها تبحر وهي بهذا السوء مضحيا بأرواح من عليها دون خوف من أحد؟ ومن أعطي له ترخيصا وقرر صلاحية المركب للإبحار؟ لابد من محاسبة الجميع، وأن ينالوا ما يستحقونه من العقاب، لكي يكون عبرة لغيره من أصحاب السفن الجشعين، الذين يسعون إلى تحقيق أكبر ربح مادي حتى لو كان على حساب أرواح الناس، وفي الغالب أرواح مصرية.