الفارس المجهول:
كان ممتطيًا صهوة جواده، وممسكًا بلجامه، وشاهرًا سيفه نحو الأعداء، وفرسه شامخًا مثله كالطود الأشم، ومختالاً في مشيته، ورافعًا إحدى قوائمه، وكلاهما صامت وساكن في مكانه بلا حراك.
رأيته للوهلة الأولى عن كثب، وبكل هذه التفاصيل الدقيقة، عندما كنت أمر بجواره في طريقي إلى الجامعة مرورًا بمحطة القطارات في مدينة الزقازيق؛ عاصمة محافظة الشرقية، وكأنه يقف مرحبًا وحارسًا أمينًا على سلامة كل الزائرين القادمين للمحافظة التي اشتهر أهلها بالكرم والشهامة.
وقفت ذات مرة إلى جواره، بصحبة بعض زملائي في الجامعة، وطلبت منه السماح لنا بالتقاط صورة تذكارية معه، لكنه كان مشغولاً بهموم أبناء وطنه والدفاع عنهم، فلم يأبه لما طلبنا؛ فعزمنا على اختلاس صورتنا التذكارية معه، والتي صارت بعد عقدين ونصف من الزمان من أجمل ذكريات الشباب، حتى إن بعض أبنائي لم يستطع أن يتعرف على شكلي في تلك الصورة القديمة بعد تغير ملامحي، إلا أن ملامحه، وتجهمه، وصمته، وثباته في مكانه لم يتغير بعد كل تلك السنوات الطويلة.
الزعيم الوطني أحمد عرابي:
عن الزعيم الوطني المصري الراحل، أحمد باشا عرابي أتحدث، وعن تمثاله الرائع المنصوب أمام بوابة محطة قطارات الزقازيق أصف لكم تلك المشاهد، لأننا على موعد يفصلنا بضع أيام قلائل عن ذكرى وطنية عظيمة في تاريخ كل المصريين.
في التاسع من شهر سبتمبر عام 1881م، وقف الزعيم الوطني المناضل أحمد باشا عرابي ورجاله ضد الخديوي توفيق بميدان عابدين بالقاهرة، يعرض عليه مطالب جماهير الأمة، بعد الظلم والاستبداد الذي لحق بهم من سوء معاملة الشركس للمصريين، في وقفة مهيبة خلدها التاريخ، وحدث جلل سطرته كتب التاريخ بحروف من نور، ونقوش من ذهب، على جبين التاريخ.
وأطلق عرابي في تلك الوقفة الملهمة كلماته الخالدة، التي صارت شعارًا ورمزًا للحرية، وطلقة مدوية في وجه الظلم والاستبداد، وتجربة عملية ناجحة للباحثين عن الحرية في كل زمان ومكان، فحين قال له الخديوي توفيق باستعلاء وتكبر: “كل هذه الطلبات لا حق لكم فيها، وأنا ورثت ملك هذه البلاد عن آبائي وأجدادي، وما أنتم إلا عبيد إحساناتنا”، انتفض عرابي في وجهه انتفاضة العصفور الذي بلله ماء المطر، وزأر في وجهه كالليث الغاضب قائلاً: “لقد خلقنا الله أحرارًا، ولم يخلقنا تراثًا أو عقارًا؛ فوالله الذي لا إله إلا هو، لا نُورَّث، ولا نُستعبَد بعد اليوم”.
استحكم الخوف من قلب الخديوي توفيق بعد أن رأى جموع لمصريين ملتفة حول الزعيم أحمد عرابي، واضطر للاستجابة لمطالبهم، وعهد إلى محمد شريف باشا بتشكيل الوزارة، فتشكلت أول وزارة شبه وطنية في تاريخ مصر، وتم تعيين محمود سامي البارودي ناظرا للجهادية كأول مواطن مصري يتولى هذا المنصب الرفيع.
وعندما استقال محمد شريف من الوزارة لاختلافات سياسية مع الخديوي، عهد إلى محمود سامي البارودي بتشكيل الوزارة، التي شغل فيها الزعيم أحمد باشا عرابي منصب ناظر الجهادية (وزير الدفاع)؛ فقوبلت بالفرح والارتياح من الجماهير، وبقية القصة تعرفونها أكثر مني في مسطرة بكل تفاصيلها في كتب التاريخ.
محافظة الشرقية:
وعلى هامش تلك الذكريات العطرة، أقدم نبذة عن تلك المحافظة التي ولد فيها هذا البطل الثائر، لأهميتها الاستراتيجية والتاريخية والثقافية، حيث إن محافظة الشرقية هي الحارس الأمين على المدخل الشرقي لجمهورية مصر العربية، وهي إحدى محافظات الإقليم التخطيطي الثالث الذي يضم محافظات: (الإسماعيلية، والسويس، وبورسعيد، وجنوب سيناء، وشمال سيناء).
إن محافظة الشرقية هي ثالث المحافظات المصرية من حيث تعداد السكان، بعد محافظتي: (القاهرة، والجيزة)، ويبلغ إجمالي عدد سكانها حوالي: ثمانية ملايين نسمة، ويغلب عليها الطابع الريفي، حيث يتجاوز الريف فيها نسبة أكثر من ثلثي مساحة المحافظة (حوالي 77%)، بينما لا يتعدى الحضر فيها نسبة الثلث (حوالي 23% تقريباً)، وتعد محافظة الشرقية ثاني أكبر المحافظات المصرية من حيث مساحة المساحة الزراعية بعد محافظة البحيرة، وتبلغ المساحة الإجمالية للمحافظة حوالي 4911 كم2.
محافظة الشرقية لها جذور ممتدة عبر التاريخ، وقد حظيت باهتمام بالغ في الحضارة الفرعونية القديمة، وتستطيع أن تلاحظ ذلك بسهولة من بقايا الآثار الفرعونية القابعة في أحضانها الدفينة عبر التاريخ، في مناطق: صان الحجر وتل بسطة والسماعنة وقنتير وغيرها من الأماكن الأخرى الكثيرة بالمحافظة، لأنها كانت قديماً المحافظة التي يحج إليها المصريين القدماء من كافة أنحاء مصر القديمة، لذلك تهتم المحافظة بتلك المناطق السياحية، وتعتمد عليها كمنتجات ومقاصد سياحية؛ حيث يبلغ عدد المناطق السياحية في المحافظة عدد 115 موقع أثري معتمد دولياً ومحلياً.
اتخذت محافظة الشرقية من الحصان الأبيض الجامح، واللون الأخضر الجذاب شعاراً لها، وذلك لاشتهارها بتربية الخيول العربية الأصيلة، واحتلال الزراعة فيها أكبر المساحات.
ولمزيد من المعلومات والإحصائيات والاستفسارات، يمكن زيارة الموقع الرسمي للمحافظة على شبكة الإنترنت على الرابط التالي:
جهد مبذول وسعى مشكور إن شاء الله يا استاذ هانى
جزاكم الله خيرا ،والى الأمام دائما.
باك الله فيكم، وجزاكم الله خيراً
مقالة بارعة من كاتب بارع تتحدث عن تاريخ عظيم وبطولات رائعة يسطرها ابناء الشرقية الكرام تسلم استاذى الفاضل
شكراً على هذا التعليق الجميل