“قوتنا بوحدتنا”.. مبادرة لمواجهة العدوان وإنقاذ التراث العربي في فلسطين ولبنان
في زمن تتساقط فيه قذائف الحروب على كل ما هو حي وجميل، تتعرض حضارتنا العربية والتراث العربي لهجمات لا تستهدف الحجر فحسب، بل تمحو معه ذاكرة الشعوب وهويتها. وسط هذه المعاناة، أطلقت الشبكة الدولية لدراسة المجتمعات العربية (إيناس) مبادرة “قوتنا بوحدتنا”، في ندوة عنوانها “الاستهداف الإسرائيلي الممنهج للتراث اللبناني: الأبعاد والآثار”. المبادرة، بالتعاون مع الاتحاد العربي للشباب والبيئة وجمعية كتاب البيئة والتنمية، تحمل رسالة أمل وأدوات علمية وأخلاقية لمواجهة هذا العدوان على التراث العربي.
التراث العربي تحت النار..استهداف ممنهج
تحدثت الدكتورة ماريز يونس، رئيسة شبكة “إيناس”، عن الأضرار التي لحقت بالمواقع التراثية اللبنانية نتيجة الهجمات الإسرائيلية الأخيرة، مشيرة إلى تدمير ما يقرب من 30 موقعًا أثريًا. وأكدت أن استهداف التراث العربي ليس نتاجًا عرضيًا للحرب، بل هو هدف ممنهج لطمس التاريخ والهوية، وتساءلت عن جدوى اجتماع اليونسكو الطارئ في باريس، والذي جاء استجابة لطلب لبنان، في ظل انسحاب إسرائيل من المنظمة عام 2019. تقول يونس: “كيف يمكن لمن يقتل الإنسان أن يحمي التراث؟”.
وتحدثت يونس عن الأهمية التاريخية لمدينة صور اللبنانية كنموذج التراث العربي المهدد بالتدمير، ثور المدينة الساحلية المطلة على البحر المتوسط، ونقطة التقاء الحضارات، مستنكرة كيف انتقلت صور من قائمة مواقع التراث العالمي التابعة لليونسكو، إلى قائمة المواقع المُستهدفة من قبل العدوان الإسرائيلي .
أضرار بيئية كارثية.. الطبيعة تدفع الثمن
الدكتور مجدي علام، أمين عام اتحاد خبراء البيئة العرب، رسم صورة قاتمة لتأثير الحروب على البيئة العربية، مشيرًا إلى أن العدوان الإسرائيلي تسبب في تدمير ثلث التنوع البيولوجي في مناطق سوريا ولبنان وفلسطين. ولفت إلى ارتفاع حموضة المياه بسبب الملوثات، وتحول مساحات زراعية شاسعة إلى أراضٍ قاحلة، ما يهدد الأمن الغذائي. وأضاف: “ما يحدث الآن لن تقتصر آثاره على غزة ولبنان، بل ستطول الدول المجاورة، وربما العالم بأسره.”
وتحدث الدكتور عبد القادر دحدوح – أستاذ التعليم العالى بالمركز الجامعى تيبازة الجزائر- عن أهم الخسائر تكبدها التراث العربي والمواقع التراثية والتاريخية المهددة والتي طالتها يد التدمير من قبل العدوان الإسرائيلي، ضاربا بذلك، القوانين والاتفاقيات الدولية لحماية التراث الإنساني عرض الحائط.
وقال دحدوح أنه تم تدمير ما يقرب من ٣٠ موقع أثري في لبنان تم قصفه في الحرب الأخيرة.
الإعلام في مواجهة التحديات
الدكتور محمود بكر، رئيس جمعية كتاب البيئة والتنمية، أشار إلى قصور الإعلام العربي في تغطية تأثير الحروب على البيئة والتراث. وأوضح أن الصحفيين يعتمدون بشكل كبير على مصادر أجنبية مسيسة. وأضاف أن الإعلام يركز على أخبار الحروب السريعة، بينما تتوارى القضايا البيئية خلف الدماء والدمار. يقول بكر: “نحن بحاجة إلى خطاب إعلامي يوثق المآسي بالصورة والكلمة، ويضع البيئة في قلب الصراعات.”
الحلول المقترحة: العلم والتوثيق سبيل المواجهة
دعا الدكتور علام إلى تشكيل لجنة علمية من خبراء الفيزياء والكيمياء والبيئة لدراسة آثار العدوان الإسرائيلي وتوثيقها علميًا، ورفع تقارير إلى الأمم المتحدة. وأكد أن التخلص من الملوثات الناتجة عن الحروب قد يستغرق أكثر من 50 عامًا.
أما الدكتور سيد خليفة، رئيس الاتحاد العربي للشباب والبيئة، فقد شدد على ضرورة معالجة الأضرار التي لحقت بالمحاصيل الزراعية في فلسطين وجنوب لبنان، لا سيما الحمضيات والزيتون. وأكد أن إصلاح هذه الأضرار يتطلب تكاليف باهظة لا يمكن للدول المتضررة تحملها بمفردها.
التراث مسؤولية الجميع..دعوة للتضامن
أكدت الشبكة الدولية لدراسة المجتمعات العربية أن التصدي لهذه التحديات وحماية التراث العربي يتطلب توحيد الجهود الأكاديمية والعربية، مع إصدار دراسات تعزز الوعي بأبعاد العدوان الإسرائيلي. واختتمت الدكتورة ماريز يونس بقولها: “استهداف التراث هو استهداف للإنسانية جمعاء. علينا أن نكون يدًا واحدة لنحمي هويتنا وتاريخنا.”
أصوات الطبيعة
لا شك أن آثار الحروب والصراعات تمتد لعقود طويلة، تطال فيها البشر والحجر، اليوم، نحن مطالبون بأن نكون أصواتًا للطبيعة، مُوَثقين لمعاناتها، وحاملين رسائلها إلى العالم. كما قال ألبرت أينشتاين: “العالم لن يُدمر من قِبَل الأشرار، بل من قِبَل من يقفون دون أن يفعلوا شيئًا.” فهل نختار أن نكون ممن يفعلون شيئًا؟