بعد وفاة الطفل المعجزة ريان في قعر البئر، هذه أبرز رسالتين إلهيتين للعالم من الحادثة الأليمة
منذ يوم الثلاثاء المنصرم وأسرة الطفل الشهيد ريان ومعها الشعب المغربي والعربي والعالمي في انتظار إخراج الطفل ذو الخمسة أعوام حيا من البئر التي سقط فيها قرب منزل أسرته بنواحي شفشاون المغربية.
خمسة أيام من الدعاء والترقب عاشها ذوو القلوب الرحيمة من مختلف أنحاء العالم وكلهم أمل في تمكن فرق الإنقاذ من ربح المعركة مع الزمن وإنهاء محنة ريان الذي أبكى الكل وهو عالق ثلاثون مترا تحت الأرض بدون أكل أو حتى غطاء يقي جسمه الصغير من البرد، منذ سقوطه في قعر الجب وهو يعاني لوحده آلام الكسور والجوع ونقص الأكسجين، ناهيك عن وحشة ظلمة البئر التي سيكون لها وقع بليغ على نفسية الصبي.
منذ العلم بالفاجعة تجند الكل بدءا بالسلطات العمومية التي تلقت أوامر عليا ببذل الكل في سبيل إنقاذ حياة ريان، فرق الوقاية المدنية والمتطوعين سواء أبناء المنطقة أو الحاجين إليها من مختلف ربوع البلاد، الكل يتمنى لو يستطيع فعل شيء لأجل الطفل البريء، لكن بعد خمسة أيام من العمل المتواصل ولكن بعد إحداث النفق الذي أخرج منه ريان ليلة السبت_ الأحد الماضية كان قد فارق الحياة ربما بعد ثلاث ليال من سقوطه في قعر البئر.
حادثة وفاة الطفل ريان تبعث رسائل إلهية للبشرية
لعل هذا الحدث الأليم الذي فقدنا على إثره ابننا ريان ظاهره عذاب، لكنه بلا شك ينطوي على رحمة باطنة ويبعث رسائل واضحة للبشرية جمعاء وجب الإنتباه إليها والإعتبار منها.
قبل التطرق إلى الآيات والعبر التي يمكن استخلاصها من حادثة ريان، نعزي أنفسنا وأسرة الفقيد وكافة المتأثرين بهذا المصاب الأليم، ونذكرهم أن ريان لم يتجاوز الخامسة من عمره وبذلك يكون قد غادر دنيانا وهو نقي من الخطايا والذنوب كما أخبرنا نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف الذي معناه أن أطفال المسلمين في الجنة تحت كفالة سيدنا ابراهيم وسارة إلى أن يردوهم إلى آبائهم يوم القيامة.
إذن ونحن مطمئنين على ابننا ريان الآن واعتقادنا بعلو منزلته لدى ربه بإجماع علماء الأمة، نرى أن المقصود نحن وليس ريان الذي كان فقط سببا في إظهار وإبراز روح التضامن والتسامح التي كادت أن تنقرض بين البشر من مختلف الديانات والثقافات، رأينا تضامن ودعوات المغاربة، عشنا دعم الشعوب والحكومات العربية والإسلامية وحتى الغربية، سفارات وصحافة، أغنياء وفقراء، الكل ورغم أن لا أحد قد إلتقى ريان وهو حي، بل حتى لم يسمع يوما باسم قريته إلا أن الجميع تمنى احتضانه بعد إخراجه، وهذه هي الرسالة الأولى التي يجب استخلاصها من الواقعة وترجمتها إلى أفعال وقيم، فبعد أن اجتمعنا على نفس الهدف الذي كان إنقاذ ريان دون أن تكون لنا مصالح مادية، وبعد أن قدم أبناؤنا أنفسهم في سبيل تقديم المساعدة، بعد كل هذه المشاعر الجياشة التي عاشها العالم مباشرة مع بعض، لم يعد لنا مبرر في اتخاذ عدو، فأعداؤنا الحقيقيون هم أنفسنا الأمارة بالسوء، يجب تطهير قلوبنا من الأحقاد والعداوات، والرجوع إلى الله ربنا ورب ريان الذي أمرنا بالتراحم في ما بيننا، بل قرن صحة إيماننا بحب ما نحب لأنفسنا لغيرنا، وإذا كان ريان قد غادر الحياة فهناك الملايين من الأطفال والنساء والشيوخ عبر العالم الذين هم بأمس الحاجة إلى اهتمامنا وعطفنا.
بعد أن شهدنا جميعا أربعة أيام وليال من الجهد المتواصل والعمل الجبار الذي قام به المختصين في عملية الحفر وتسخير مختلف الآليات المتوفرة لإنجاح عملية الإنقاذ، ورأينا تتبع الأشغال من طرف أعلى السلطات داخل البلاد وخارجها، إلا أن كل ذلك لم يفلح في تغيير قدر الله المكتوب، وهذه آية واضحة لنا نحن الذين نستمتع بنعم الله الكثيرة من أكل وملبس وأمن، وقليل منا من يشكر هذه النعم المجانية من الجبار القوي، رسالة لنا نحن الذين لم نبقى بدون أكل أو شراب لأيام، كما لم تختلف أضلعنا من ضيق البئر أو نختنق من قلة الأكسجين، كلنا ننعم في هذه الحياة بنعم كثيرة علينا أن نقدر قيمتها ونوحد واهبها لنا، الواقعة بينت لنا أنه في حالة فقداننا لإحدى هذه النعم لن تستطيع قوة على وجه الارض ارجاعها مهما بلغت قوتها غير القوي الرحيم الذي وهبها لنا أول مرة، فالحمد لله حمدا كثيرا مباركا والحمد لله على ما أخذ والحمد لله على ما أعطى.
وفي الأخير نتقدم مرة أخرى بخالص العزاء والمواساة لأسرة ريان ونتقدم بالشكر لكل من ساهم ويساهم في إحياء روح الأخوة والتضامن بين الناس والحمد لله رب العالمين.