خلال العام المنصرم، كنا نجلس جميعًا نقرأ، نستمع، ونشاهد ما يدور من أحداث لا نكاد نلاحقها. فالحرب تتصاعد والصراع يمتد في المنطقة، والأزمة تولد أزمة أكبر في عالم أحادي القطبية تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، التي تنحاز دائمًا إلى المصالح الإسرائيلية لتنتهك ما تشاء، ضامنة أنه لا يوجد من يحاسبها، وما من رادع لها في الوصول إلى وضع جديد أشد قسوةً وأكثر معاناةً على أجساد الأطفال والنساء.آلاف الفلسطينيين اغتالتهم عدوانية المحتل، وسحقت مجنزرات الكراهية ابتسامات الصغار. عبر سنوات، أثمرت هذه العدوانية في صدورهم ثورة وانتفاضًا. هُدمت منازلهم، ومُزقت دفاترهم قبل أن تُفتح الحروف على صفحاتها، طفولتهم تُغتال كل يوم! كيف يدافع طفل بعجز كفّيه عن حقه في الحياة حين خذله العالم، واكتفى بمشاهدة عروض القصف اليومية التي تُمارس ضده، في وضح النهار وعلى مرأى من الكون؟ من يمنع إسرائيل من فعل ما تشاء؟ إنها شريعة الغاب، يا سادة الحكم، والبقاء فيها كما الحال دائمًا في أي غابة، للأقوى.يتكرر المشهد كُل صباح بخبر عاجل معلنًا عن أرقام جديدة في أكثر الحروب دموية في القرن الحادي والعشرين، عشرات الآلاف من القتلى والمصابين وفي حقيقتها ليست بأرقام هي أرواح سُلبت، وأطفال أحلامها قصفت، وشهداء أشلاؤهم في الطرقات سُحقت، وأسر كاملة من دفاتر الحياة مُحيت، ونحن كما العادة نستمر في الجلوس أمام الشاشات، نشاهد مجلس الأمن والمجتمع الدولي يقف عاجزًا دون تأثير حقيقي أمام فيتو من دولة واحدة تعطي الضوء الأخضر لاستمرار هذه الإبادة! مستبيحة هذا الكم العظيم من المجازر وجرائم الحرب التي ترتكب في حق الشعب الفلسطيني! لتكشف لنا حرب غزة عن أدنى صور النفاق الإنساني والتبعية والخضوع ذي الأبعاد السياسية، لتثبت زيف الرواية التي مللنا من سماعها عن حقوق الإنسان والمساواة، فلا نكاد نسمع إلا الشجب والاستهجان والاستنكار، الجميع يتحدث وهناك من يذرف الدموع على أشلاء الضحايا فتصبح دماء الأطفال مادة خصبة للاستثمار السياسي، ويتشارك الجميع في هذه المقتلة، ظاهرًا كان أو من وراء حجاب.أما عنا شعوبًا ودولًا وممالك عربية هل تسكتون عن قتل الأطفال والنساء كي تعاقبوا حماس؟ وكأن هذا وقت تصفية الحسابات! الأطفال الذين يعانون في غزة لا يفهمون بالسياسة، لا يهتمون بالسياسة، ولا يحتاجون السياسة باستطاعتنا أن نفعل الكثير على المستوى السياسي والاقتصادي، عبر تجميد العلاقات الدبلوماسية حتى وقف كامل لإطلاق النار، والعودة إلى المفاوضات، وكذلك التهديد بأن نعيد النظر في تفاهمات التطبيع، واتفاقات النفط والتبادل التجاري، تلك الخطوات الجادَّة، قد يكون لها تأثير كبير ومردود إيجابي على صنع القرار الإسرائيلي، الذي قد يخسر بدوره العديد من التحالفات التي سعى جاهدًا لتطبيقها خلال عقود مع الدول العربية، باحثًا عن شرعية وجود بالشرق الأوسط.لقد كانت وما زالت القضية الفلسطينية هي قضيتنا الأولى منذ ٧٥ عامًا. قدمنا من أجلها آلاف الشهداء إيمانًا ودفاعًا عن الأرض والعرض، أمام عدو غايته أن ينتحل هويتك ويستبيح حياتك، فلا خيارات لديك سوى الموت أو المقاومة.علينا أن ندرك أن الحرب الدائرة الآن هي حرب وجود لا حرب حدود. وعلى مدار التاريخ، لم يتحرر وطن من الاحتلال بدون مقاومة. في الحروب الوجودية، تنتصر الفكرة دائمًا لا الأشخاص، وغدًا سوف تتبدل الأدوار وتدور الدوائر.
إن أهل غزة لا يزالون يشدون على جمر الصبر، رغم الدمار الذي طال كل شيء، والألم الذي صار جزءًا من تفاصيل الحياة اليومية، بينما نراقبهم بلا ضمير!فماذا حدث لنا؟ كيف تغيرنا هكذا؟ هل ما نحن فيه مصادفة أم تغييب متعمد لمحو هويتنا العربية بفعل فاعل؟ ما هذا الثبات والصمت والاستسلام الذي يسلب وعينا أمام أعيننا دون أدنى مقاومة؟ كأننا شعوب أصابها الخدر الذي أفقدنا حتى الشعور بقضيتنا ومساندة أقرب الأقربين. فلا يجب أن تكون فلسطينيًا أو عربيًا أو مسلمًا أو مسيحيًا لتشعر بهم، تحتاج فقط أن تكون، إنسانًا.
قد يهمك:
عن الكاتب:
محرر صحفي، وأخصائي علاقات عامة وإعلام، مهتم بالشأن العام السياسي والاجتماعي، أؤمن بأهمية دور الصحافة والإعلام في نشر الوعي، وأسعى دائماً لتقديم محتوى دقيق وموثوق، مع الالتزام بمعايير النزاهة والموضوعية.