تختلف معايير النجاح والفشل باختلاف الظروف، فلا يصح أن يكون هناك معيار واحد لقياس الأمر خصوصًا في الحالة التي مر بها غاريث ساوثغيت خلال 8 سنوات قاد فيها منتخب إنجلترا، المدرب الذي كان يتعرض لانتقادات شديدة طوال فترته مع الأسود الثلاثة على الرغم من كونه أفضل مدرب جاء في تاريخ إنجلترا بعد ألف رامسي من جهة الأرقام، حيث يعد رامسي صاحب بطولة كأس العالم الوحيدة في تاريخ إنجلترا عام 1966.
قرر الاتحاد الإنجليزي يوم 27 من شهر سبتمبر 2016 تعيين ساوثغيت كبديل قصير الأمد بعد إقالة سام الارديس، في الحقيقة لم يحصل سام على فرصته حيث لم يشارك سوى في مباراة واحدة على رأس القيادة الفنية لإنجلترا وتم إقالته بعد 65 يوم فقط، كان منتخب إنجلترا دائما مخيب للآمال سواء مع روي هودسون أو غوران إيريكسون خصوصًا في العقد الأول من الألفية الثانية والتي كان الطموح مرتفع فيها رفقة نجوم مثل بيكهام ولامبارد وجيرارد وروني بالإضافة إلى غاري نيفيل وجون تيري، ولكن كانت النتيجة خروج وراء الآخر بسبب الانقسامات في غرفة ملابس المنتخب وتغلب انتماءات اللاعبين على مصلحة المنتخب الإنجليزي.
في الحقيقة لم يكن 2016 هو بداية مشروع ساوثغيت رفقة إنجلترا، حيث أن غاريث كان مدرب منتخب إنجلترا تحت 21 عامًا منذ 2013 وحتى جاءت له الفرصة خلفًا لسام، وعلى الرغم من أنه تم تعيينه بشكل مؤقت حتى يتوصلوا لاتفاق مع مدرب آخر إلا أنه نجح في إثبات نفسه سريعًا ليقرر الاتحاد الإنجليزي منحه الفرصة كاملة وحصوله على المنصب.
ساوثجيت كان مهتم بعلم البيانات بحكم أنه شارك منذ بداية مشروع “England DNA” في 2011 كرئيس قسم تطوير النخبة والذي كان بمثابة طفرة قام بها ديف رادين حيث كانت التقاليد البالية تأكل مفاصل المنتخب الإنجليزي، بدأ ديف في بناء فريق دعم على مستوى عالمي، وعين مسؤول قسم الأداء ورئيس للأفراد وتطوير الفريق وريس لونج كرئيس للتحليل، لقد كانت هذه المرة الأولى التي يتم فيها الأمر على هذا النحو، فعلى سبيل المثال يقول ماركهام المسؤول عن قسم التحليل لمنتخب إنجلترا في مونديال روسيا: “. لقد كان لدينا 10 مدربين و14 محللًا خلال بطولة كأس العالم 2018 وشيء مماثل في فرنسا 2019، لقد كان لدي من 2-4 محللين في كل لحظة من أجل الحصول على معلومات بشكل فوري وهو ما ساعدنا كثيرًا”.
عاش ساوثغيت خيبة أمل كبيرة عندما كان لاعبًا بعد أن أهدر ركلة جزاء في دوري أمم أوروبا 1996 وقتها هاجمته الصحف الإنجليزية بشدة ولكن هذا لم يغير شئ من عزيمته، استمر غاريث في المشاركة مع المنتخب الإنجليزي ولعب كأس العالم 1998 ويورو 2000 ولعب ما يقارب 57 مباراة طيلة مسيرته مع الأسود الثلاثة، كان غاريث دائما مفعما بالنشاط بعد إعتزاله وخصوصا في فترة تدريبه لمنتخب الشباب حيث أنه لم يكن يكتفي بعمله فقط مع منتخب تحت 21 عامًا بل كان يشاهد معظم مباريات الفئات السنية المختلفة ويحضر الاجتماعات العامة في أروقة الاتحاد الإنجليزي وكأنه كان يتجهز لفرصته، وعلى الرغم من تصريحه بأنه لا يرغب في منصب مدرب المنتخب بعد رحيل روي هودسون إلا أنه عاد وحصل عليه بشكل مؤقت بعد رحيل سام الارديس لينجح في الخروج من تصفيات كأس العالم بدون أي خسارة ويتم إعطائه عقد دائم من قبل الاتحاد الإنجليزي.
كان كأس العالم 2018 تجربة ساوثجيت الأولى في البطولات كبرى في منصبه الجديد وقتها حاول الاتحاد الإنجليزي إزالة الضغوط من عليه مؤكدين أنه سيبقى حتى لو خرج من دور المجموعات وأنه مشروع طويل المدى، تأهلت إنجلترا كمركز ثاني من دور المجموعات ونجحت في تجاوز كولومبيا في ربع النهائي والسويد في نصف النهائي، خسر الإنجليز بعدها أمام كرواتيا بهدفين لهدف في نصف النهائي، وخسروا أمام بلجيكا بهدفين في مباراة تحديد المركز الثالث.
جاء بعدها بعام فرصة المشاركة في بطولة دوري الأمم الأوروبية في نسختها الأولى وحققت إنجلترا المركز الثالث للمرة الأولى منذ عام 1968 في بطولة كبرى، وكان قد نجحت كتيبة ساوثغيت في تصدر المجموعة على حساب إسبانيا وكرواتيا في دور المجموعات إلا أنهم خسروا أمام هولندا في نصف النهائي وفازوا على سويسرا في ركلات الترجيح في مباراة تحديد المركز الثالث، وفي يورو 2020 خسرت إنجلترا النهائي الأول في تاريخهم في البطولة، حيث كان المنتخب لم يسبق له الوصول إلى نهائي أو الفوز في مباراة إقصائية سوى أمام إسبانيا بركلات الترجيح عام 1996، نجح منتخب الأسود الثلاثة في الصعود من دور المجموعات متفوقين على كرواتيا واسكتلندا، وفاز الإنجليز على ألمانيا لأول مرة في تاريخهم في دور 16، وفي ربع النهائي اكتسحوا أوكرانيا برباعية وفازوا على الدنمارك بهدفين لهدف في نصف النهائي ليصلوا إلى النهائي الأول في تاريخهم، وتقدمت إنجلترا على إيطاليا في النهائي إلا أن بونوتشي تعادل لهم وانتهت بفوز إيطاليا بركلات الترجيح، على الرغم من نجاح إنجلترا في البطولة بالأرقام إلا أن الانتقادات طالت ساوثجيت خصوصًا أنه فضل الدفاع والحفاظ على الهدف وهو ما أدى لخسارة البطولة.
شارك بعدها المنتخب الإنجليزي في كأس العالم 2022 في قطر، وتأهل من دور المجموعات متصدرا للمجموعة على حساب إيران وأمريكا وويلز، وفازت إنجلترا على السنغال بثلاثية في دور 16 إلا أنهم خرجوا من ربع النهائي بعد هزيمتهم أمام فرنسا بهدفين مقابل هدف، وقتها خرج الاتحاد الإنجليزي ليدافع عن ساوثجيت مؤكدين أنه سيبقى في منصبه حتى يورو 2024، نجحت إنجلترا في ضمان التأهل من تصفيات اليورو قبل نهاية تصفيات بمباراتين، حيث أنهى المنتخب الإنجليزي تصفيات دون أي هزيمة، وتأهل المنتخب الإنجليزي من دور المجموعات بأداء متواضع بعد أن فازوا على صربيا وتعادلوا مع سلوفينيا والدنمارك، وفي دور 16 نجحت إنجلترا في الفوز على سلوفاكيا في الأشواط الإضافية بعد أن تعادل بيلينجهام لهم في الدقيقة 95 وسجل كين هدف الفوز في الشوط الإضافي الأول، في ربع النهائي فازت إنجلترا على سويسرا في ضربات الجزاء وفي نصف النهائي سجل أولى واتكينز هدف الفوز للإنجليز في الدقيقة 90 ليفوزوا على هولندا بهدفين مقابل هدف.
طيلة مشوار إنجلترا في كأس أمم أوروبا 2024 اختلفت حدة أصوات الانتقادات حول أداء المنتخب الإنجليزي حتى أن ساوثغيت خرج في مؤتمر صحفي مؤكدًا أنه سيرحل من منصبه أن لم يفوز بالبطولة، كانت الانتقادات شديدة في دور المجموعات لغياب النتائج رفقة الأداء سئ إلا أن تأهل المنتخب الإنجليزي للنهائي في نهاية المطاف جعل حدة هذه الأصوات تتخافت، لم يكن أداء إنجلترا في هذه البطولة جيدًا على الرغم من امتلاكهم مجموعة مميزة من اللاعبين في جميع المراكز وكانت معظم الأهداف تأتي في وقت متأخر ومن مجهود فردي، أمام إسبانيا في المباراة النهائية لم يتغير شئ كان اللاروخا الأفضل إلا أن شخصية لاعبين إنجلترا جعلتهم يدخلون إلى أجواء المباراة وسجل كين ضربة جزاء ردًا على هدف نيكو ويليامز إلا أن هدف أوزيارزابال حسم البطولة للإسبان
تُعد إنجلترا مهد كرة القدم وعلى الرغم من ذلك لم يكن منتخبها على نفس المستوى أبدًا، مع ساوثغيت للمرة الأولى أصبحوا منافسين بل أنهم وصلوا لمرتين في تاريخهم إلى نصف نهائي اليورو كان المرتين معه، قادهم إلى نصف نهائي كأس العالم للمرة الأولى منذ عام 1966، جاريث ساوثجيت قاد إنجلترا في 102 مباراة طوال مسيرته مع المنتخب الأول فاز في 61 مباراة وتعادل في 24 وخسر 17 طوال 8 أعوام، يملك ساوثغيت ثاني أفضل معدل انتصارات في تاريخ إنجلترا منذ 1963 بعد فابيو كابيلو، بلغة الأرقام ساوثغيت قد يكون الأفضل في تاريخ إنجلترا على الرغم من عدم تحقيقه للبطولات ولكن بالنظر إلى إمكانيات الإنجليز والتشكيلة التي يملكونها فعدم تحقيق أي بطولات فشل، تختلف الآراء حول فترة غاريث مع المنتخب الإنجليزي ولكنه بالتأكيد أخذ الأسود الثلاثة للوجهة وترك إرث وفريق يستطيع تحقيق البطولات مع المدرب القادم.