“عقول مفلسة” …أزمة النقاش في الوعي الجمعي

“لا تجادل ولا تناقش يا علي …”  ولم أجد أفضل من نقاش أحمد راتب وعادل إمام في فيلم الإرهابي  لافتتاح مقالي هذا؛ إذ تعكس هذه الجملة  مدى الطمس الفكري الذي قد  يفرض  بحكم الوصاية أو أشياء أخرى، فنجد رب الأسرة قد فرض وصايته على أبنائه، والوصاية التي نقصدها هنا هي وصاية النقاش والحوار فلا رأى إلا رأي أبانا ولا حكمة  إلا له، فيتوقف تفكير الطفل  إيزاء ما يفرضه الرب، فرب الأسرة وإن أخطأ فهو الصواب في عين هؤلاء الرعية ؛ فالمعتاد لديهم أن أباهم هو العقل والفكر وأي ناقش لفكره هو عين الخيانة فيشل فكر الأبناء وتفلس الأفكار لديهم ,, وهكذا الحال في سنوات التعليم فلن يسمح لك المعلم أو المدرس الجامعي بخروجك عن طوع لبه ومدار عقله فلا شيء أمامك سوا الحفظ والتلقين فتصبح كالأسطوانة التي تجرى في قطرها فليس هناك جديد إلا ما حفظته فما الفرق إذا بينك وبين كاسيت السيارة فكلاهما يردد دون فهم ,,
افتقاد البشرية للحوار يضعها في براثن الجمود ناهيك عن الصراعات التي تنشأ لغياب الحوار والنقاش التي أحياناً كثيرة تصل لحروب ، فهناك الكثير من القتلى على شواطئ الجمود والعصبية ، فالعقل ينشط بالتجرد والتفكير فلولا التفكير لما وجد ضوء مصباحي ولا أزرار هذه اللوحة الذي أكتب عليه مقالي هذا ,, فالتحرر ليس بالقيود التي بين يديك بل بين تلك التي تقيد أذنيك  ، فالغباء صناعة لا يأتي بشكل عارض  فهو ناتج القمع الفكري و الاضطهاد الوجداني .
وقد يظن ظان أن الدين هو مانع للتفكير وهادم للنقاش والحقيقة عكس ذلك تماما ، فالدين هو روح العقل والنقاش ،  فلفظ “وَيَتَفَكَّرُونَ” قد ورد ثمانِ عشرة مرة  في مواضع عدة في القرآن ، فالله يأمرنا بالتفكير و التدبر في خلقه فالعقول المنتجة هي فطرة الله  التي فطرها لخلقه  “أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ﴿٨ الروم﴾ فالتفكر في النفس والكون هو بداية العقل ، فالحوار الذي دار بين إبراهيم عليه السلام وبين أبيه لهو أثمر الحوارات التي عرفتها البشرية والتي قٌصت في سورة الإنعام والتي تبين أهمية  العقول المثمرة في الوصول إلى الله ، هذا الحوار القائم على الحجج والبراهين والاستنتاجات العقلية فلو كانت الشمس أله لم انطفأت ولو كان القمر كذلك لما أفل .
وافتقاد الحوار والجدال القائم على التجربة والاستنتاجات يضع الشعوب في دائرة المهلكة والفساد فلو تتدبر أهل قريش في أّلهتم فلما عبدوها ولو لم يفطن أهل السفينة لم تحتهم لهلكوا و لغرقت السفينة .


قد يهمك:

عن الكاتب:
اترك رد


جميع المحتويات المنشورة على موقع نجوم مصرية تمثل آراء المؤلفين فقط ولا تعكس بأي شكل من الأشكال آراء شركة نجوم مصرية® لإدارة المحتوى الإلكتروني، يجوز إعادة إنتاج هذه المواد أو نشرها أو توزيعها أو ترجمتها شرط الإشارة المرجعية، بموجب رخصة المشاع الإبداعي 4.0 الدولية. حقوق النشر © 2009-2024 لشركة نجوم مصرية®، جميع الحقوق محفوظة.