لا ينافس غزة في الشهرة إلا غلافها صنعته إسرائيل ليحميها، ولكنه تحول إلى نقطة ضعفها بالنسبة إلى الغزاويين هو جدار فصل آخر، وبالنسبة للإسرائيليين هو ثقب في منظومتها الأمنية، وهنا تعريف بالغلاف وتاريخه ومن يستوطنون، في كل حدث يتعلق بغزة يخرج للواجهة مصطلح ويصبح كثير التداول.
ما هو غلاف غزة
غلاف غزة هو هدف عسكري بالنسبة للغزيين، لكنه بالنسبة للإسرائيليين بات كابوسا وقبيل الإمعان في الحديث عنه لا بد بداية من استعراض للعملية القيصرية التي ولد بها الغلاف وفكرته، وهو الذي ولد من رحم غزة قبل أن يتحول إلى حبل سري هدفه خنقها، حيث ووفق كلام التاريخ والجغرافيا، فإن قطاع غزة يمتد على مسافة ثلاث مئة وستين كيلومترا بطول واحد وأربعين كيلومترا، وعرض يتراوح بين خمسة وخمسة عشر كيلومترا في المنطقة الجنوبية من السهل الساحلي الفلسطيني على البحر المتوسط.
تاريخ غلاف غزة
تاريخيا كانت هذه الثلاثمئة وستين كيلومترا مربعا تحت الاحتلال منذ العام ألف وتسعمائة وسبعة وستين وحتى ألف وتسعمائة وأربعة وتسعين، حين بدأت السلطة الفلسطينية دخوله بموجب اتفاق أوسلو وتطبيق الحكم الذاتي الفلسطيني في غزة وأريحا، حيث في الأول من يوليو ألف وتسعمائة وأربعة وتسعين دخل الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات أبو عمار قطاع غزة، وبدأ الشعب الفلسطيني بالتدريج في استعادة السيطرة على المناطق التي يعيشون فيها في قطاع غزة، بينما استمرت المستوطنات الإسرائيلية في البقاء على الأراضي التي تم احتلالها في القطاع مرت حوالي عشر سنوات منذ ذلك الوقت، وكانت الوضع في الضفة الغربية مماثلا، حيث استمر وجود السلطة الفلسطينية والجيش الإسرائيلي والمستوطنات وشملت الخطة إخلاء كافة الأماكن التي تم احتلالها وإقامة المستوطنات فيها والانسحاب بشكل كامل من أراضي القطاع بعد موافقة الكنيست الإسرائيلي على خطة رئيس الوزراء شارون وتم الانسحاب الكامل من قطاع غزة في الثاني عشر من سبتمبر أيلول ألفين وخمسة.
الانسحاب الكامل من قطاع غزة
بعد ذلك أعلنت الحكومة الإسرائيلية إنهاء الحكم العسكري في قطاع غزة تم إزالة جميع المستوطنات التي بلغ عددها خمسة وعشرون مستوطنة، والتي أصبحت معروفة باسم “المحررات” في وقت لاحق انتهت عملية الانسحاب وتفكيك المستوطنات وإخلاء المستوطنين الذين بلغ عددهم ثمانية آلاف وخمسمائة في الثاني عشر من سبتمبر عام 2005.
أنذاك اعتبر ما جرى نصرا للفصائل الفلسطينية وخلف ذلك مشكلات كثيرة بين الفصائل نفسها سيولد بعدها الانفصال بين القطاع والضفة بعد الخلاف الشهير بين الفصائل لكن سيولد أمر اخر وهو فكرة غلاف غزة والذي أصبح يعرف بأنه المنطقة العازلة التي نشأت على طول الحدود البرية الإسرائيلية مع قطاع غزة وهذه المنطقة بالطبع لم تكن فارغة، فقد كانت تضم مستوطنات إسرائيلية وأضيف عليها مستوطنات أخرى من تلك التي تم إخراجها من داخل القطاع، لتصبح هذه المستوطنات معا تسمى بغلاف غزة، ويبلغ عددها نحو خمسين مستوطنة، وتقع في مسافة تبلغ نحو أربعين كيلومترا في محيط القطاع.
نظام المستوطنات المحيطة بالقطاع
ارتفع عدد المستوطنين في غلاف غزة بشكل ملحوظ من حوالي اثنين وأربعين ألفًا في عام 2009 إلى حوالي خمسة وخمسين ألفًا بعد عقد من الزمن، مما يمثل زيادة بنسبة تقدر بحوالي ثلاثين في المئة، وفقًا لتقرير سابق نشره موقع جلوبل الاقتصادي الإسرائيلي يشمل هذا الغلاف ثلاثة مجالس إقليمية تتبع الحكومة الإسرائيلية، وأبرزها مجلس أشكول الذي يمتد على مساحة تبلغ ثلاثمئة وثمانين كيلومتر مربع، ويضم أكثر من ثلاثة عشر ألف مستوطن يعيشون في اثنين وثلاثين مستوطنة وهناك كذلك أشكلون ومجلس شاغر هنيغف وهي من أكثر المناطق التي تستهدفها الصواريخ والقذائف الفلسطينية التي تنطلق من القطاع، بالإضافة للعملية الأخيرة التي جرى فيها ما يشبه الغزو، ومثل هذه العمليات لم تكن تحدث بهذه الضخامة سابقا، ولطالما كانت تقتصر على عمليات فردية أو بضعة أفراد، وكانت تتم غالبا من أنفاق يحفرها الغزيون تحت الأرض، لذا عمدت تل أبيب إلى بناء جدار إسمنتي تحت الأرض بطول وعرض كبير، على أمل وقف مثل هذه العمليات، لكن فاجأهم الغزاويين هذه المرة بهجوم ومن كل مكان، فيما عد أكبر هجوم على الإطلاق انطلق من قطاع غزة ودفع ثمنه غلاف غزة تلك المدينة.
غلاف غزة ونقطة ضعف الدولة العبرية
منطقة التي شيدت لحماية اسرائيل لكنها تحولت إلى ملعب الغزاويين وذراع تلويح الفصائل كلما أرادت ضرب الدولة العبرية. والان وبعد هذه العملية فإن المشاهد الخارجة من غلاف غزة سببت رعبا حتى لأولئك الإسرائيليين القاطنين في أقصى الشمال، أي بعيدا عن الضربات الخارجة من القطاع لما فيه من خرق أمني واضح وكبير، وأثبت فشل الجيش العبري عسكريا واستخباراتيا ومن جميع النواحي، وهو الذي افتخر دائما بقدرته على منع أي هجوم كبير كهذا.والواقع يقول أن اختراق تحصينات الدولة العبرية بات من السهولة بمكان، ما يجعل الدولة كلها مهددة، حيث من فعلها مرة سيكون قادرا على فعلها مرارا وتكرارا.
هذا والقطاع محاصر ومقطوعة عنه غالبية الإمدادات، فكيف يكون الحال لو فكرت دولة أو حتى ميليشيا كحزب الله بشن ضربة أو هجوم مماثل على إسرائيل؟ فحتى الغلاف الذي كانت تعتبره تل أبيب عبارة عن قشرة صلبة تحميها، أثبت أنه قشرة بيض وهش وسهل الكسر، فكيف حال بقية الحدود؟ لذا ومن المؤكد فإن ما جرى في غلاف غزة حدث سيكون فارقا في فكرة إسرائيل عن أمنها، وهو فشل وصل حتى للسياسة الإسرائيلية برمتها وهذا الكلام لا يقوله الشامتون، وإنما خرج من الصحافة الإسرائيلية نفسها التي شهدت بعدسات كاميراتها ما اعتبر أكبر خرق أمني في تاريخ إسرائيل بعد حرب أكتوبر حدث كما ذكرنا سيكون له ما بعده من تداعيات.