من ستونهنج لنفرتيتي.. كيف حوّلت التكنولوجيا المتقدمة مسار التاريخ وعلم الآثار

يمكن أن يغير اكتشاف أخير وجهات نظرنا بصورية جذرية لأحد أشهر المواقع في العالم إنها مقبرة توت عنخ آمون حيث كشفت عمليات الفحص المعقدة في وادي الملوك بمصر أن المقبرة قد تشمل غرف سرية غير مكتشفة بعد وربما تكون إحداهما مقبرة الملكة نفرتيتي، على الرغم أن العلماء يدرسون المقبرة منذ ما يقرب من 100 عام.

ومن الشائع أن يتحمس العالم للاكتشافات الاثرية رفيعة المستوى لكنها تكون بطيئة بعض الشيء ويستمر البحث باستخدام إمكانيات التكنولوجيا المتقدمة لتغيير فهمنا للتاريخ.

فآخر ما توصلت لها النتائج حول مكان قبر الملكة نفرتيتي التي توفيت عام1330 قبل الميلاد تقريبًا هو أنها ربما دفنت في غرفة سرية داخل قبر ابن زوجها الملك الراحل توت عنخ آمون على الرغم من معارضة بعض العلماء هذه النتائج وأشهرهم زاهي حواس.

صورة من داخل مقبرة توت عنخ آمون يُعتقد أنها فاصلة بين المقبرة والغرفة السرية المدفون فيها الملكة نفرتيتي
صورة من داخل مقبرة توت عنخ آمون يُعتقد أنها فاصلة بين المقبرة والغرفة السرية المدفون فيها الملكة نفرتيتي

 

لماذا قبر نفرتيتي مهم؟!

نفرتيتي هي شخصية محورية في علم المصريات، فهي وزوجها الفرعون اخناتون قاموا بثورة دينية في مصر القديمة، وتم محو اسمها هي وزوجها بعد وفاتهما من معظم المعابد، لكن مازال هناك القليل من المعلومات المؤكدة عن حياتها لكن لا يوجد الكثير من آثار عن مكان قبرها.

لذلك فإن اكتشاف قبرها يمكن أن يكون مفيدًا في الكشف عن مزيد من المعلومات حول تلك الفترة الحرجة من التاريخ، وحتى ذلك سيغير وجهات نظرنا عن كم كانت قوية ومهمة في مصر القديمة.

ويعتقد نيكولاس ريفز، العالم البريطاني المسؤول عن هذا البحث، أن حجم وشكل مقبرة توت عنخ آمون مصممة بالأساس لملكة، ولذلك استخدم مسح رداري يخترق الأرض (GPR) للبحث عن الغرف السرية المحتمل تواجدها والمحتمل احتواءها على بقايا نفرتيتي، واستند في نظريته وبحثه على العلاقة المتوترة التي كانت بين نفرتيتي وتوت عنخ آمون.

جهاز المسح الراداري المستخدم في مقبرة توت عنخ آمون
جهاز المسح الراداري المستخدم في مقبرة توت عنخ آمون

علم آثار ما تحت الأرض

إن تقنيات المسح الجيوفيزيائية المستخدمة لدراسة المقبرة بدأت في السبعينات، فالمسح الراداري يعمل على بعث موجات الرادار الكهرومغناطيسية من خلال قياس المدة الزمنية والشكل المنعكسة بها الموجات الرادارية المصطدمة بالأشياء والعناصر المختلفة.

وتختلف سرعات الموجات الردارية باختلاف المكان فمن الممكن استخدام هذه المعلومات لبناء خريطة ثلاثية الأبعاد للعناصر التي اصطدمت بها، وبالنسبة لمقبرة توت عنخ آمون فإن الخريطة أشارت إلى وجود فراغات خلف جدران المقبرة والتي قد تكون غرف سرية غير مكتشفة.

المشكلة مع مثل هذه الاستطلاعات هي أن الآمال أصبحت عالية جدًا من الاستنتاجات الأولية للكشف عنها للجمهور، والحقيقة هي أنها قد لا تتطابق مع واقع النتائج في وقت لاحق، وغالبًا ما يتم تفسير البيانات بطرق وأسليب مختلفة.

فعلى سبيل المثال الفواصل والشقوق الطبيعية في الصخر قد ينتج عنها استنتاجات بوجود غرف غير مكتشفة، لذلك مسح منطقة صغيرة نسبيًا من الجدران داخل غرفة فردية تجعل من الصعب جدًا وضع النتائج في سياق أوسع.

وبجمع مجموعة واسعة من البيانات يمكننا أن نبني ببطء صورة واضحة عن تاريخ الموقع، في حين أن الدراما المصاحبة بكشف قبر طواه النسيان واستخدام التكنولوجيا للدراسة التدريجية للموقع يمكن أن يؤثر علينا بصورة مباشرة أو غير مباشرة بارتباطنا بالموقع.

وفي الواقع التقنيات الجيوفيزيائية المستخدمة في الدراسة استخدمت أكثر في الأماكن الأكثر انفتاحًا، فالقياس المغناطيسي والتغيرات المغنايسية في المجال الأرضي يظهر بعض المواد الأثرية المدفونة.

صورة لموقع أثري تم اكتشافه باستخدام الموجات المغناطيسية الرادارية
صورة لموقع أثري تم اكتشافه باستخدام الموجات المغناطيسية الرادارية

 

كشف ستونهنج الحقيقي
مثل التقنيات السابقة تم استخدامها في ستونهنج وهو نصب تذكاري يرجع لعصر ما قبل التاريخ في ساليسبري بمقاطعة ويلتشير جنوب غرب انجلترا ويرجع تاريخه لأواخر العصر الحجري وأوائل العصر البرونزي (3000 ق م – 1000 ق م) ويتكون من مجموعة دائرية من أحجار كبيرة قائمة محاطة بتل ترابي دائري.

كشف ستونهنج الحقيقي
كشف ستونهنج الحقيقي

وباستخدام التقنية الحديثة تمكن العلم من معرفة أن هذا كان يمثل شكل من أشكال العبادة قبل الحضارة أي في العصر الحجري الحديث، والمسح الجيوفيزيائي كشف المئات من الميزات الأثرية لنصب ستونهنج ومنها 17 من معالم الطقوس الدينية، لكن في البداية كانت كل قطعة تمثل جزء من الخريطة وبعد تنظيمها بصورة صحيحة رأى علماء الآثار أنها آثار لأحد أماكن العبادة والطقوس ومرتبطة ببعض الحسابات الفلكية التي لم تكن معروفة سابقًا.

حتى الآن لايعرف مايرمز إليه ولكن البعض يحدس أنه كان مركزا احتفاليا أو دينيا، وحاليا يعتقدأن شعب جزر بريطانيا قد بدؤوا يشيدون هذا الأثر منذ 5000 سنة، وقد بينت الحفريات أن موقع ستونهنج قد بني على ثلاث مراحل رئيسية:

المرحلة الأولى : تمت عام 2900 ق.م. وكانت عبارة عن خندق دائري قطره 110 متر وعمقه واحد ونصف متر. وعلى حافة الخندق الدخلية بني سد به تجاويف عددها 56 تجويفا.ويقال أنها كانت لحمل أعمدة خشبية.

المرحلة الثانية : البناء التي استمرت من سنة 2900 ق.م. –2500 ق.م. أقيمت مبان خشبية حيث أقيمت أعمدة خشبية جديدة قائمة في الأرض المستوية داخل مركز الخندق الدائري. كمانصبت أعمدة في منطقة منزوية شمالي شرق الخندق حيث مدخل الموقع.

المرحلة الثالثة : نقلت الأعمدة للبناء التي استمرت حوالي 2550 ق.م. – 1600 ق.م. وتتكون من 80 عمود منصخور بركانية زرقاء.
نفس الأمر كان مع أعمال المسح الجيوفيزيائية في (أوستيا أنتيكا) بإيطاليا والتي غيرت تمامًا نظريات علماء الأثار حول تخطيط المدينة، ومينائها، فالمسح المغناطيسي الذي أجري على المنطقة الواقعة بين بورتوس وأوستيا بين عامي 2008-2011 كشف عن وجود مقابر وهياكل مرتبطة بها، وأرفق ذلك بخط جداري دفاعي وتبين أن حجم المدينة القديمة يشمل ضفتي نهر (التيبر)، وكانت حقيقة حاسمة بتغيير الحجم المحتمل للمدينة ومينائها، ويشير أكثر إلى أماكن التخزين وأهمية الميناء لروما القديمة.

أعمال المسح الجيوفيزيائية في أوستيا أنتيكا بإيطاليا
أعمال المسح الجيوفيزيائية في أوستيا أنتيكا بإيطاليا

وهناك استطلاع بحثي في مدينة (ساروم) القديمة في ويلتشير بالمملكة المتحدة لدراسة المنطقة المحيطة من العصر الحديدي بـ “هيلفورت” ومدينة القرون الوسطى كشف المسح الراداري والقياس المغناطيسي ومقاومة الأرض عددًا غير مسبوق من الهياكل الرومانية التي كانت مبنية في العصور الوسطى، وساحات وبقايا أخرى وهذا يدل على أن هناك تسوية للأراضي حدثت بصورة معقدة جدًا في مدية ساروم أكثر بكثير مما كان يعتقد سابقًا حتى أن البحث عام 2016 قد يثبت بضرورية مطالبات للتسوية السكسونية في وقت متأخر من الموقع.

الخلاصة:
التكنولوجيا الجيوفيزيائية الحديثة لعبت دورًا كبيرًا في علم الآثار سواء من خلال الاكتشاف أو تحديد أماكنها، لكن علينا النظر إلى أبعد من الجوانب المثيرة من هذه البحوث وفهم الدور الذي تلعبه التكنولوجيا في رسم الصورة الأكبر لكشف الماضي.


قد يهمك:

عن الكاتب:
اترك رد


جميع المحتويات المنشورة على موقع نجوم مصرية تمثل آراء المؤلفين فقط ولا تعكس بأي شكل من الأشكال آراء شركة نجوم مصرية® لإدارة المحتوى الإلكتروني، يجوز إعادة إنتاج هذه المواد أو نشرها أو توزيعها أو ترجمتها شرط الإشارة المرجعية، بموجب رخصة المشاع الإبداعي 4.0 الدولية. حقوق النشر © 2009-2024 لشركة نجوم مصرية®، جميع الحقوق محفوظة.