حين أعطى القرآن الكريم وصفاً للجنة بقوله تعالى “مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَيَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ” وفي حين أن النبي عليه الصلاة، والسلام قال عن وصفها” فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر” فهناك من يرى أن في هذا ثمة تعارض بين الوصف القرآني للجنه، وقول النبي الذى يشير إلى عدم استطاعة وصفها حيث أن الأعين، والأذان، والقلوب لا تدركها، وهنا نقول أنه لا يوجد تعارض بين القرآن، والسنة النبوية فلو أننا تنبهنا إلى لفظ “مثل” في قوله تعالى ” مثل الجنة” وهنا ننظر إلى لغة العقل، والمنطق، والتى تقضى بأن المسميات يجب أن تسبق الأسماء بمعنى لو رجعنا إلى الوراء الف عام مثلاً فلا يمكن عقلاً أن أحدث الناس في ذاك العصر عن الهاتف الجوال أو التلفزيون فهذه الأسماء لا توجد لها مسميات في هذا العصر فيجب أولاً أن يوجد المسمى ثم نعطيه الإسم، وليس العكس فلا نطلق الاسم، وننتظر قدوم المسمى لكي نعطيه هذا الإسم، ومكونات الجنه قطعاً عبارة عن مسميات لها أسماء فلو أن الله تعالى استخدم تلك الأسماء الفعلية التى تصف الجنه لكان هنالك غموض بسبب وجود أسماء لمسميات تغيب عنا، ولن تخطر حتى على قلوب البشر كما أخبر النبى عليه السلام حين قال، ولا خطر على قلب بشر، ولذلك فإن الله تعالى قد استخدم مكونات نعرفها ليقرب لنا صورة ما لا نعرفه، واستخدم معها كلمة مثل ليوضح لنا أن الجنة ليست تلك طبيعتها، وأن هذه الأوصاف تمثل فقط أقصى ما يتاح لنا معرفته في حياتنا الدنيا، ولذلك استخدم أقصى ما نعرفه لوصف ما لا نعرفه، كما أن الله تعالى أعطى لنا في صدر الآية إشارة ضمنية لكى نتنبه إلى أنه تعالى يصف لنا شئ مجهول عنا، وذلك باستخدامه للفعل الماضي المبني للمجهول، وهو ” وُعِدَ” وكما نعلم الفعل الماضي حين يضم أوله مع فتح آخره يصبح فعل ماضي مبنى للمجهول، والذى يأتى بعده يسمى نائب فاعل، ولذلك لم يقل لنا مثل الجنة التى وعد الله المتقين وإنما بناها للمجهول حيث قال” وُعِدَ الْمُتَّقُونَ” في إشارة منه تعالى للتنبه إلى أنه يصف لنا مجهولاً يغيب عنا، حتى إن قدر الله لنا أن ندخلها فسيظل الغموض، والمجهول قائم، وذلك يظهر في قوله تعالى “كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا” وهذا يعنى أنه كلما سيق إلى أهل الجنة شئ من رزقها يقولون هذا رزقناه من قبل فيقال لهم أن هذا ليس الذى جاءكم من قبل وانما يشبهه، ولكن ليس هو، وبذلك يستمر تحقق قول النبي عليه السلام” ولا خطر على قلب بشر ” قائماً حتى مع دخول الجنه.