تتمثل الحكمة من إقرار الاسلام لفكرة العبودية، وعدم إنكارها في الآتي: أولاً لنتفق على المرجعية الإلهية لعقيدة الإسلام، وأن الغاية من خلق الإنسان هو عبادة الله تعالى كما قال تعالى مستخدماً النقى، والإستثناء (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) وأن نزعة الشر، والإفساد في النفس البشرية تمثل آفة تحقيق الهدف الذى خلق من أجله الإنسان، وستظل إلى قيام الساعة، وأقصى تلك النزعة، وأعظمها هو إراقة الدماء، ولذلك فإن الملائكة تنبهوا إلى نزعة الشر تلك التى لدى البشر، وأشاروا إلى أعظمها، وهو سفك الدماء حين قالوا ( أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك) وذلك في إشارة منهم لطلب الفهم، والحكمة من إيجاد هذا المخلوق لذلك كان لابد من وجود آلية تكبح جماح النفس البشرية حين تقدم على سفك الدماء، وهذا السلوك يطغى على النفس البشرية في الغالب وقت الحروب، والنزاع الدائر بين الخير، والشر، وهذا هو الأصل فيه، وهذه سنة من سنن الحياة تبقى مع بقاء الخير، والشر، وحين يلتقى الفريقان فإن هنالك تظهر طاقة هائلة لدى كل فريق للفتك بالآخر، وهنا تأتى الحكمة من تشريع العبودية حفاظاً على حياة أكبر عدد ممكن من أفراد الفريقين، وعدم الإسراف في إراقة الدماء، لذلك فإن الله تعالى قد أراد تحويل مسار طاقة الفتك بالآخر، وإراقة دمه إلى أخذه تحت شعار العبودية، وهذا مسار لحظي تقتضيه ضرورة الحرب، وتمكن الطرف الآخر المنتصر من تفريغ طاقة الفتك المتدفقة لديه، ولأن هذا الأمر ظاهره سلوك غير مقبول بأن يسير الإنسان الحر عبداً لذلك فإن الله تعالى قد جعل هنالك آلية لتصحيح هذا المسار، من منطلق علمه تعالى بأن البشر كثيرى الأخطاء فقد جعل تحرير النفس البشرية من العبوديه أحد طرق الإستغفار في الكثير من الأخطاء، والذنوب بل، وفي مقدمتها، وذلك لحرصه تعالى على تصحيح المسار الذي إقتضته ضرورة الحرب، والصراع، وإعادة الإنسان إلى طبيعته الحرة بعد أن حافظ له على دمه من الإراقة، ولأن الله تعالى أيضا يعلم أن مسلك العبودية سوف ينتهى إلى حد كبير مع تقدم البشر، وتطورهم، وبناء السجون التى يمكنها أن تحوي الأسرى مع إمكانية استغلالهم في مساومات سياسية، وغيرها، ولهذا فإن الله تعالى لم يجعل من شرط تحرير الرقبة من العبودية كشرط أساسي للتكفير عن بعض الذنوب لذا فقد عدد الخيارات فبعد أن قال (فتحرير رقبة ) فقد قال بعدها (فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين) وهذا من منطلق علمه تعالى بأنه سيأتى زمان على البشر لا توجد بينهم رقبة مستعبدة لذلك فالله تعالى شرع للبشر الإنتقال إلى الخيار التالي، وأحياناً خيار ثالث، وهو الإطعام، وهنا تظهر لنا الحكمة من إقرار هذا السلوك بشكل جلي، والذى يمثل ضرورة يقتضيها الزمان والمكان.