يقدر إنفاق المصريون على الدروس الخصوصية، وحسب البيانات التي أعلن عنها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عام 2019، أن متوسط إجمالي ما تنفقه 26 مليون أسرة في جميع المحافظات، على الدروس الخصوصية، بلغ حوالي 47 مليار جنيه، من إجمالي الإنفاق على قطاع التعليم، نعم الرقم صحيح 47 مليار جنيه، قبل ثلاث سنوات من الآن أي أن التقديرات ربما تزيد عن 50 مليارا في 2022.
لفت نظري منشورات منسوبة لأولياء الأمور تناشد فيها المدرسون بتأجيل بداية الدروس الخصوصية حتى الأول من سبتمبر القادم، ويبررون طلبهم في محاولة لإقناعهم، بأن التأجيل فيه رحمة بالطلاب من أيام الحر الشديد، ورحمة بالأسرة المصرية عموما، التي مازالت مطحونة في امتحانات الثانوية حتى الآن، هذا الإعلان كارثي بكل معنى الكلمة، كيف يطلب صاحب الحق الرحمة من المدعي؟
بالطبع فكرة بداية الدروس الخصوصية مبكرا عن البداية الفعلية للعام الدراسي الجديد، كانت ولازالت لخدمة طلاب الثانوية العامة فقط، وقد تجاوب معها الأهالي حرصا على مستقبل أبنائهم وبناتهم، ومعرفتهم المسبقة باختفاء دور المدرسة، فلا مانع من البداية المبكرة شهرين أو أكثر، لأنها السنة الأهم في حياة الطلاب وتحدد مستقبلهم، وزيادة الإنفاق من الأسرة وزيادة الجهد من الطلاب ضروري لتحقيق الهدف.
إلا أن الأمر تطور، وشعرت مافيا الدروس الخصوصية بالغيرة من أقرانهم في المرحلة الثانوية العامة، فلماذا يحصلون على دخل شهرين زيادة عن دخلهم؟ وسارعوا في اتخاذ نفس القرار، وبداية الدروس مبكرا من الصف الأول الابتدائي إلى الصف الثالث الثانوي، حتى تكون السنة الميلادية كلها فوائد وليس السنة الدراسية فقط، وتزيد حساباتهم في البنوك، ولا عزاء للغلابة.
وزارة التربية والتعليم قالت عن الإعلانات المبكرة عن الدروس الخصوصية، أنها سوف تقوم بحملات كثيفة بمساعدة وزارة الداخلية لغلق السناتر غير المرخصة، ومكافحة الظاهرة بكل السبل، إلا أنها نصحت أولياء الأمور الذين لا أمل في أن يأخذوا بالنصيحة المتكررة كثيرا، وهي أن الوزارة وفرت البدائل للدروس الخصوصية من خلال المنصات التعليمية التابعة للوزارة على شبكات الإنترنت مجانا.
لكن هيهات أن يكتفي أولياء الأمور بهذه البدائل، خاصة مع الشعور بالذنب تجاه أبنائهم إذا لم يحجزوا لهم عند المدرسين مثل أقرانهم، بل إن بعضهم يتصل بالمدرس بهدف تأجيل بداية الدروس، ويرجوه تأجيل البداية رحمة به وأولاده، فيكون رد المدرس، خلاص أنت وحظك لو تبقى له مكان بعد شهر، وهو رد أقرب إلى التهديد لولي الأمر، وبالتالي يرغمه على الرضوخ والبداية من حيث يريد المدرس.
مع انتشار دعوات أولياء الأمور على السوشيال ميديا بـتأجيل بداية الدروس الخصوصية لشهر سبتمبر، انتفض المدرسون وتطوعوا هم بالاتصال بأولياء الأمور للتأكيد على البداية المبكرة، وضرورة أن ينتظم الطلاب مع بعضهم في نفس التوقيت حتى لا يفوتهم الكثير من المنهج، مع أن الكثير من المناهج ليست معروفة بالفعل، ويقومون بتدريس القديم منها لحين نزول الحديث، المهم حشو الوقت وتحصيل المقابل المادي آخر الشهر.
في ظاهرة جديدة هذا العام بين طلاب الثانوية الذين يؤدون امتحاناتهم الآن، جاءت على لسان الكثير منهم بعد أداء المواد التي أنهوا امتحاناتهم فيها، “ياريتنا ما أخذنا دروس خصوصية” نظرا لطبيعة الأسئلة التي وردت في الامتحان، والتي لا تعتمد على منهج معين، ولم تعد تفيد معها خبرة المدرسين في توقع أسئلة الامتحانات، لم يكن تصريح طالب أو اثنين ولكنها كانت مقولة منتشرة بينهم.
محافظ الشرقية: تكثيف الحملات الأمنية لضبط مخالفي الدروس الخصوصية
الغريب أن أولياء الأمور يفترض أن القرار بأيديهم، فإذا هم قرروا أن تبدأ الدروس في شهر 9 أو 10 أو أي شهر آخر فليفعلوا، لأنهم من يدفعون ومن يوافقون على تسجيل أسماء أبنائهم في هذا السنتر أو ذاك، لكن للأسف تنازلوا عن حقهم خوفا من اتهامهم بالتقصير في حق أبنائهم، مع أن رفضهم تسلط مافيا الدروس الخصوصية هو حق أبنائهم عليهم، وحق مستقبلهم ومستقبل الأحفاد أيضا.