سيدة أصيبت بأزمة قلبية حادة في عامها التاسع والأربعين أثر تعرضها لآلام في منطقة الصدر، ليتم نقلها في الحال لأقرب مستشفى في محاولة إنقاذ حياتها قبل فوات الأوان، الطبيب المعالج هناك بعد إجراء الفحوصات الطبية اللازمة أعلن وفاتها رسمياً، بدأت عائلتها وزوجها بمراسم الدفن ووضعت في الكفن وتوافد الناس إلى منزلهم وتعالت أصوات البكاء والدعاء لها، وفجأة تستيقظ السيدة من الكفن على أصوات بكائهم عليها، لتجد هذه السيدة نفسها داخل الكفن في موقف مخيف جداً، هذا الأمر سبب لها صدمة نفسية كبيرة جداً كتمت أنفاسها، حيث لم يستطع عقلها استيعاب وإدراك ما يحدث من حولها وما قد حدث لها، فبدأت آثار الصدمة بالظهور عليها.
بدأت السيدة تصرخ وترتجف إلى أن أُغمي عليها من هول الموقف وآثار الصدمة وليتم نقلها مرة أخرى إلى المستشفى في ذهول الجميع ليعلن الأطباء بعد دقائق من دخولها بموتها المؤكد، ماتت حقيقةً هذه المرّة ليسجل التاريخ أن هذه السيدة لم تمت من آثار السكتة القلبية بل ماتت من آثار الصدمة النفسية التي تعتبر خلل يصيب العقل أثر تعرّض الشخص لبعض الأحداث المفاجأة التي لا يستطيع العقل والجسد بتحملّها.
ونوبات الخوف أو نوبات الهلع لها أضرار كثيرة كمثل سرعة ضربات القلب والصعوبة في التنفس وتخدير في الأصابع وعرق في الجسم ودوخه وجفاف في الريق وأيضاً يشعر الشخص المصاب بالهلع باضطراب في المعدة وعدم التوازن في الجسم.
هذه الأحداث قد تكون مفاجئات سعيدة كأن يقوم البعض بإخافة شخصاً ما في يوم ميلاده، ولا يقتصر الأمر على النوايا الحسنة وبعض الاحتفالات بل أصبح الأمر تجارة، نعم تجارة الصدمات، كملاهي ألعاب الرعب أو البرامج التلفزيونيو تتفنن في وضع شريحة من الناس تحت تهديد معيّن، مثل وضعهم مع حيوانات مفترسة كالأسد، حيث أثبت مجموعة من الباحثين المختصين في مقال نشره في مجلّة الصحة البريطانية بأن مشاهدة أفلام الرعب تؤدي إلى فعلياً إلى الموت، وأكدت الدراسة إلى وجود اختلال في الدورة الدموية لدى مدمني أفلام الرعب والارتفاع المتكرر في الأدرينالين بسبب المشاهد المخيفة المتكررة التي يشاهدها مدمني أفلام الرعب ويوجد الكثير من حالات الوفيّات التي حدثت في قاعات السينما في جميع أنحاء العالم وأغلبها كان في الهند.
ومن هذه الصدمات النفسية تلك الناتجة عن الحروب والقتل نتيجة لتعرض الشخص لحادث أو انفجار فيسيقظ في أحدى المستشفيات غير مستوعب لما حدث له، ثم يجد أمامه مفاجأة أخرى عندما يكتشف بأنه قد تم بتر أحد أطرافه دون وعي منه ودون سابق إنذار ودون مبرر لما كل ما حدث له.
إذا تعرضت في يوم ما لنوع معين من الصدمات سواء في الصغَر أو الكبَر فأنت من المؤكد مررت بخمسة مراحل:
أولاً تنعزل عن الأقارب قبل الغرباء وتسيطر عليك فكرة واحدة وهي أن كل ما يحدث لك الآن هو حلم وستستيقظ منه، فعندما تدرك أنه ليس حُلماً تغضب وتبدأ في عتاب وجلد ذاتك وكل المتسببين في مشكلتك وأحياناً تلوم القدر سواء في قرارة نفسك أو علناً، فعندما تتعب من الغضب يهدأ عقلك وتبدأ بالمساومة والإقناع في مشكلتك، تبدأ بإقناع نفسك بأن الأمل ما زال موجود وأن المستحيل هو مستحيل الوجود فربما تبدأ في التفكير بالسفر والعلاج في الخارج أو السفر للحج والتقرب إلى الله سبحانه وتعالى، فعندما تبحث عن الأمل وتساوم الأحداث على نفسك كالغريق بطوق النجاة، هناك يتمكّن منك التعب الجسدي والنفسي فتتوقف عن المحاولة وتتوقف عن الأمل وقد تصاب هناك بحالة نفسية واضطراب شديد يسمّى بالاكتئاب الذي قد يستمر معك لسنوات عديدة بأعراضها العديدة من حزن واكتئاب وعزلة عن الجميع.
ثم نصل إلى المرحلة الأخيرة وهي القبول وهي الأفضل والأهم حيث يبدأ فيها الشخص بقبول وضعه الجاري وأن ما حدث تقدير إلهي وأنه قد يكون خيراً له فيبدأ بالتسليم والتصالح مع ذاته ويضع خطط جديدة في حياته وتعتبر هذه الخطوة كما يصرّح كبار العلماء النفسيين بمثابة طوق النجاة لمن يعانون من آثار الصدمة، فتجد أن الأطباء دائماً ما يحاولون اختصار المراحل الخمسة وصولاً إلى مرحلة القبول والتسليم من خلال بعض الفعاليات والنشاطات التي يطبقونها على الحالة نفسها.
لأن في هذه المرحلة يستعيد المريض نشاطه وحيويته وتتحسن حالته النفسية ويتخطى آلامه، بل ويكتشف طرق جديدة ربما تكون سبباً في سعادته، والبعض يكتسب هوايات ومواهب جديدة تقلب حياتهم رأساً على عقب من الأسوأ إلى الأفضل والأروع، فتصبح الصدمة بمثابة ذكرى يفتخر بها ذلك الشخص بأنه أستطاع تخطيها فيشعر بمدى قوته وإرادته وتحمله.
درجة استجابتنا للمواقف تختلف من شخص إلى آخر، وشدة الصدمة أيضاً تختلف من شخص إلى آخر فربما لو رأت فتاة حادثاً في الطريق وجثة مغطاة بالدماء لربما لأصيبت بصدمة كبيرة وأغمي عليها، كما حدث مع بعض الأطباء والطبيبات عندما شاهدن أول جثة في كلية الطب، وعلى العكس تماماً هذا الموقف نفسه لربما إذا شاهده سائق شاحنه ربما لن يتأثر إطلاقاً لأن لديه ما يسمى بالمناعة من الصدمات، فتعلمنا منذ الصغر أن الموت حق وأن للجميع في الدنيا نهاية واحدة وهي الموت، وأنه سيأتي يوم وسيموت فيه كل المقربون، ومع ذلك تكون الصدمة كبيرة جداً عندما نجد أن أحد المقربين قد غادر الحياة بلا سابق إنذار وبلا عودة، في مثل تلك الموقف، مواقف الموت كيف يتم التعامل مع الصدمة؟ لقد ضرب لنا الدين الإسلامي أروع الأمثلة في هذه الجزئية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند وفاة ابنه إبراهيم: “إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون”، بكى النبي صلى الله عليه وسلم ليعلمنا أن البكاء مشروع وأن الحزن لفترة مشروع وهذا الأمر يؤكده الأطباء النفسيين بأن البكاء من أفضل الطرق للتخلص والتنفيس عن الغضب والحزن الشديد، وأنه لا يجب أن تطول فترة الحزن بل يجب أن نقوم وننهض ونتعافي للعمل والحياة ولتستمر الحياة، أسأل من الله أن يرزقكم الصبر عند الابتلاء.