ماذا تعرف عن الجاسوس؟ هل هو ذلك الشخص الذي يرتدي قبعة تخفي نصف وجهه ومنظار يحاول محو ما تبقى من أوصافه؟ أم أنه ذلك الرجل الذي يحصل على أكبر قدر من المعلومات الصحيحة دون أن يشعرك أنه في حاجة لها وينتظرها.
هكذا يجري تدريب الجواسيس.. فأهم خطوة للجاسوس ليست جمع المعلومات وإرسالها إلى المعسكر الآخر وإنما هي كيفية توطيد علاقته بالمجتمع بحيث يشعرك أنه لا يحتاج المعلومة التي يحصل عليها منك وإنما أنت الذي تلهث ورائه كي تمنحا له.
ويروي الدكتور نبيل فاروق المتخصص في عالم الجاسوسية في إحدى حلقات برنامج ملف الأسرار كيف يجري تدريب الجاسوس في بيئة مختلفة عنه وذلك من خلال البرنامج الشهير ” سبايس كول ” الذي كان يبث على إحدى القنوات الفضائية كيف يسافرون بالمرشحين كي يعملوا في مجال التجسس إلى مناطق ريفية بسيطة كي يجري تدريبهم.
وفي المناطق الريفية يعلم أهل القرية بعضهم البعض وهي أصعب بيئة يمكن أن يعمل فيها الجاسوس لأنه معروف للعامة أنه غريب والاختبار الحقيقي الذي عليه أن يؤديه بنجاح هو كيفية الحصول على معلومات محددة من ثلاثة أشخاص على الأقل داخل مطعم هي اسمائهم وعناوينهم ووظائفهم دون أن يلفت الانتباه لاسيما أن المناطق المنعزلة دائما ما يحرص سكانها على عدم الحديث مع الغرباء.
ولا يعتقد البعض أن تلك المهمة سهلة للغاية فمجرد شك أي من أفراد القرية في هذا الغريب يعني استبعاده تماما.. وبالتالي فإن الاختبار ليس هو جمع المعلومات كما تعتقد وإنما في كسب ثقة الغريب كي يمنحك كل ما تريد دون أن تظهر ذلك.
وكانت بعض أجهزة المخابرات المعادية تحصل على اسماء وعناوين الضباط من صحف الوفيات التي يتفاخر المصريين بذكر أقاربهم العاملين في المناطق الحيوية داخل النعي فهي وسيلة سهلة لاصطياد ما تريد دون أن ترسل جاسوسا للاستفسار عن شيء.
ومن ضمن برامج تدريب الجواسيس خاصة المقربين من دوائر صنع القرار هي ضرورة ارسال انفعالات الشخصيات الكبيرة بحيث يجري إعداد شبيه له وما هي الكلمات التي إذا ما أطلقتها وسيلة إعلامية فإنها تستفزه بشكل يصعب معه التفكير بشكل سليم لذا كان يجري التعامل مع صدام حسين وفقا لهذا المنظور من خلال إعداد شبيه نفسي له في الولايات المتحدة كي تنفذ ما تريد وهو ما ورد في كتاب “لعبة الأمم” الذي ألفه ضابط المخابرات الأمريكي ” مايز كوبلاند”.
ومن ضمن الشخصيات التي كانت الولايات المتحدة الأمريكية تضع شبيه نفسي لها هي ستالين والرئيس المصري جمال عبد الناصر وهنا أعترف رجل المخابرات أن كل شخص يهم أمريكا يجري وضع شبيه له يكون لديه القدرة على الحصول على ردود الافعال المنتظرة من الشخصية إذا ما تعرضت لتهديد أو علم بوجود مؤامرة.
ويعد برنامج الاهتمام بالتعايش مع البيئة الحاضنة له من أهم مراحل التدريب التي تتحكم في مدى قدرة الجاسوس على جمع المعلومات وتأمين نفسه فبعض الجواسيس الاغبياء على سبيل المثال في الحرب العالمية الثانية بعد أن أدى مهمته بنجاح داخل إنجلترا سار بدراجته الهوائية في الجانب الأيسر عكس المتبع وقتها من ضرورة السير على الجانب الأيمن ليلفت الانتباه وينكشف أمره بعدها. أو ذلك الجاسوس الذي دخل ألمانيا للحصول على أوراق وأثناء شك المخابرات الألمانية وقتها في المسافرين يجري وضع شخص في القطارات يصيح فجأة في أي مشتبه به بكلمة ” أهلا ” بالإنجليزية فإذا رد عليه بنفس اللغة يكون ذلك هو الجاسوس وقد أنفضح أمره وذلك لأن الرد التلقائي له كان يعتمد على بيئته الحاضنة والتي لم يستطع تغييرها.
ومن ضمن برامج تدريب الجواسيس كيفية البعد عن الاضواء التي أمامه بحيث يبقى في الظل دون أن يثير الانتباه.. فإذا ما أصبح مشهورا سيظل دائما محط الكثير من الأسئلة التي تتعقبه مع فعل يرتكبه حتى لو كان السؤال لماذا ركب حافلة ركاب رغم أن لديه سيارة حديثة أكثر من مرة وغير معطلة.. وبالطبع الأمر لن يكون كذلك إذا كان الشخص ليس معروفا أو مسلطة عليه الأضواء.
من خان وطنه فقد خانته كل الدنيا بما فيها